- الحديث الخامس عشر : روي أنه عليه السلام نهى عن أكل كل ذي مخلب من الطيور وأكل كل ذي ناب من السباع .
قلت : روي من حديث ابن عباس ومن حديث خالد بن الوليد ومن حديث علي .
- فحديث ابن عباس : أخرجه مسلم ( 1 ) في " الصيد " عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن كل ذي ناب من السبع وعن كل ذي مخلب من الطير انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : وهذا الحديث لم يسمعه ميمون بن مهران من ابن عباس بل بينهما سعيد ابن جبير هكذا رواه أبو داود في " سننه " من حديث علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكذلك رواه البزار في " مسنده " وقال : لا نعلم أحدا رواه عن ميمون عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إلا علي بن الحكم وقد رواه أبو بشر ( 2 ) والحكم عن ميمون عن ابن عباس ولم يذكروا سعيدا بينهما انتهى كلام البزار . قال ابن القطان : وذكر البخاري في " تاريخه " عن علي الأرقط أنه قال : أظن بين ميمون وابن عباس سعيد بن جبير - يعني في هذا الحديث - قال : وعلي بن الحكم ثقة وثقه النسائي وأخرج له البخاري ومسلم انتهى كلام ابن القطان .
- وحديث خالد بن الوليد : أخرجه أبو داود عنه ( 3 ) مرفوعا : وحرام عليكم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير مختصر وسيأتي الكلام عليه قريبا .
- وحديث علي : في " مسند أحمد " عن عاصم بن ضمرة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير مختصر وليس من رواية أحمد ( 4 ) وشطر الحديث في " الكتب الستة " ( 5 ) من حديث أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : كل ذي ناب من السبع انتهى . ورواه مسلم ( 6 ) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : كل ذي ناب من السباع فأكله حرام انتهى .
- قوله : أما الضبع فلما ذكرنا يريد به حديث النهي عن كل ذي ناب من السباع قلت : وفي تحريمه أحاديث : منها ما أخرجه الترمذي ( 7 ) في " كتاب الأطعمة " عن إسماعيل بن مسلم المكي عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن حبان بن جزء عن أخيه خزيمة بن جزء قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أكل الضبع فقال : أو يأكل الضبع أحد فيه خير ؟ انتهى . قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بالقوي ولا نعرفه إلا من حديث إسماعيل عن ابن أبي المخارق وقد تكلم بعضهم فيهما انتهى . وضعفه ابن حزم بأن إسماعيل بن مسلم ضعيف وابن أبي المخارق ساقط وحبان بن جزء مجهول انتهى . وأخرجه ابن ماجه عن ابن إسحاق عن عبد الكريم بن أبي المخارق به فقال : ومن يأكل الضبع ؟ انتهى .
- حديث آخر : رواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " حدثنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن يزيد السعدي رجل من بني سعد بن بكر قال : سألت سعيد بن المسيب أن ناسا من قومي يأكلون الضبع فقال : إن أكلها لا يحل وكان عنده شيخ أبيض الرأس واللحية فقال الشيخ : يا عبد الله ألا أخبرك بما سمعت أبا الدرداء يقول فيه ؟ قلت : نعم قال : سمعت أبا الدرداء يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أكل كل ذي خطفة ونهبة ومجثمة وكل ذي ناب من السباع قال سعيد : صدق انتهى .
- أحاديث الخصوم : فيه حديث جابر أخرجه الترمذي ( 8 ) في " الحج - والأطعمة " والنسائي في " الصيد - والذبائح " وابن ماجه في " الأطعمة " كلهم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن ابن أبي عمار قال : سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أصيد هي ؟ قال : نعم قلت : آكلها ؟ قال : نعم قال : أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قال : نعم انتهى . قال الترمذي : حديث حسن صحيح وقال في " علله " : قال البخاري : حديث صحيح انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " بهذا السند والمتن في النوع الخامس والستين من القسم الثالث ورواه الحاكم في " المستدرك " ( 9 ) عن إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : الضبع صيد فإذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن ويؤكل انتهى . وقال : حديث صحيح ولم يخرجاه انتهى .
واعلم أن أبا داود ( 10 ) رواه بسند السنن ولم يذكر فيه الأكل ولفظه : قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الضبع فقال : هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم انتهى . أخرجه في " الأطعمة " ووهم صاحب " التنقيح " إذ عزاه باللفظ الأول للسنن الأربعة ولكن أخذوا من هذا اللفظ إباحة أكله زاعمين أن الصيد اسم للمأكول ومنشأ الخلاف في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } فعند الشافعي لو قتل السبع أو نحوه مما لا يؤكل لا يجب عليه شيء وعندنا يجب عليه الجزاء لأن الصيد اسم للممتنع المتوحش في أصل الخلقة قالوا : لو كان هذا مرادا لخلا عن الفائدة إذ كل أحد يعرف أن الضبع ممتنعة متوحشة وإنما سأل جابر عن أكلها سيما وقدد رود التصريح بأكلها كما تقدم قلنا : هذا ينعكس عليهم لأنه لما سأله أصيد هي ؟ قال له : نعم ثم سأله آكلها ؟ قال : نعم فلو كان الصيد هو المأكول لم يعد السؤال واستدل الإمام فخر الدين في " تفسيره " على أن الصيد اسم للمأكول بقوله تعالى : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } قال : فهذا يقتضي حل صيد البحر دائما وحل صيد البر في غير وقت الإحرام وفي البحر ما لا يؤكل كالتمساح وفي البر ما لا يؤكل كالسباع قال : فثبت أن الصيد اسم للمأكول انتهى . ولأصحابنا أن يقولوا : الصيد في الآية مصدر بمعنى الاصطياد وتكون الإضافة بمعنى - في - أي أحل لكم الصيد في البحر وحرم عليكم الصيد في البر بدليل أن المحرم يجوز له أكل لحم اصطاده حلال عندنا وعندهم فعلم أن المراد بالصيد في الآية الاصطياد لا الحيوان وقد ذكره المصنف كذلك فيما بعد في مسألة أكل السمك وقال : إن المراد بالصيد في قوله تعالى : { أحل لكم صيد البحر } الاصطياد وإلى هذه المسألة أشار صاحب الكتاب بقوله في آخر " كتاب الصيد " : والصيد لا يختص بمأكول اللحم قال قائلهم : .
صيد الملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال .
وهذا القائل هو علي بن أبي طالب قاله الإمام فخر الدين والله أعلم .
_________ .
( 1 ) عند مسلم في " الصيد - في باب تحريم أكل كل ذي ناب " ص 147 - ج 2 ، وعند أبي داود في " الأطعمة - في باب ما جاء في أكل السباع " ص 177 - ج 2 .
( 2 ) رواية أبي بشر عند مسلم وأبي داود ورواية الحكم عند مسلم فقط .
( 3 ) عند أبي داود في " الأطعمة - في باب ما جاء في أكل السباع " ص 177 - ج 2 .
( 4 ) قال الحافظ ابن حجر في " الدراية " ص 320 : وفي الباب عن علي عن عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " انتهى .
( 5 ) قال في " الدراية " ص 320 : وأصل الحديث في " المتفق " عن أبي ثعلبة دون ذكر الطير أه . قلت : أما عند مسلم ففي " الصيد " ص 147 - ج 2 ، وعند البخاري في " الصيد - باب أكل كل ذي ناب من السباع " ص 830 - ج 2 .
( 6 ) عند مسلم في " الصيد " ص 147 - ج 2 ، وعند ابن ماجه في " الأطعمة " وعند النسائي في " الصيد - في باب تحريم أكل السباع " .
( 7 ) عند الترمذي في " الأطعمة - في باب ما جاء في أكل الضبع " ص 1 - ج 2 ، وعند ابن ماجه في " الأطعمة - في باب الضبع " ص 240 - ج 2 .
( 8 ) عند الترمذي في " الحج - في باب ما جاء في الضبع يصيبها المحرم " ص 117 - ج 1 ، وفي " الأطعمة - في باب ما جاء في أكل الضبع " ص 1 - ج 2 ، وعند ابن ماجه في " الأطعمة - في باب الضبع " ص 240 ، وعند النسائي في " الصيد " فيه : ص 198 - ج 2 .
( 9 ) في " المستدرك - في الحج " ص 453 - ج 1 .
( 10 ) عند أبي داود " باب في أكل الضبع " ص 177 - ج 2