- الحديث الخامس : روى أبو سعيد الخدري قال : .
- كنا نخرج ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
قلت : أخرجه الأئمة الستة ( 1 ) عنه مختصرا ومطولا قال : كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال : إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد : أما أنا فإني لا أزال أخرجه أبدا ما عشت قال أبو داود ( 2 ) . وذكر فيه رجل واحد عن ابن علية أو صاع حنطة وليس بمحفوظ وذكر معاوية بن هشام : نصف صاع من بر وهو وهم من معاوية بن هشام أو ممن رواه عنه انتهى كلامه . وقد أساء عبد الحق في " أحكامه " إذ قال : زاد أبو داود في هذا الحديث : أو صاع حنطة لأن هذا يوهم أن هذه الزيادة متصلة عند أبي داود وليس كذلك هكذا تعقبه عليه ابن القطان والله أعلم وحجة الشافعية من هذا الحديث في قوله : صاعا من طعام قالوا : والطعام في العرف هو الحنطة سيما وقد وقع في رواية للحاكم : صاعا من حنطة وهي التي أشار إليها أبو داود أخرجه في " المستدرك " ( 3 ) من طريق أحمد بن حنبل عن ابن علية عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن عبد الله قال : قال أبو سعيد وذكر عنده صدقة الفطر فقال : لا أخرجه إلا ما كنت أخرجه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم صاعا من تمر ( 4 ) أو صاعا من حنطة أو صاعا من شعير فقال له رجل من القوم : أو مدين من قمح ؟ فقال : لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها انتهى . وصححه ورواه الدارقطني في " سننه " ( 5 ) من حديث يعقوب الدورقي عن ابن علية به سندا ومتنا ومن الشافعية من جعل هذا الحديث حجة لنا من جهة أن معاوية جعل نصف صاع من الحنطة عدل صاع من التمر والزبيب قال النووي في " شرح مسلم " ( 6 ) : هذا الحديث معتمد أبي حنيفة Bه ثم أجاب عنه بأنه فعل صحابي وقد خالفه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي عليه السلام وقد أخبر معاوية بأنه رأى رآه لا قول سمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم انتهى كلامه . قلنا : أما قولهم : إن الطعام في العرف هو الحنطة فممنوع بل الطعام يطلق على كل مأكول وهنا أريد به أشياء ليست الجنطة منها بدليل ما جاء فيه عند البخاري ( 7 ) عن أبي سعيد قال : كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الفطر صاعا من طعام قال أبو سعيد : وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر انتهى . قال الشيخ في " الإمام " : وروى ابن خزيمة في " مختصر المختصر " بسند صحيح ( 8 ) من حديث فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال : لم تكن الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا التمر والزبيب والشعير ولم تكن الحنطة انتهى . وأما ما رواه الحاكم فيه : أو صاعا من حنطة فقد أشار أبو داود إلى هذه الرواية في " سننه " وضعفها فقال : وذكر فيه رجل واحد عن ابن علية : أو صاع حنطة وليس بمحفوظ انتهى . وقال ابن خزيمة فيه : وذكر الحنطة في هذا الخبر غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم . وقول الرجل له : أو مدين من قمح دال على أن ذكر الحنطة في أول الخبر خطأ ووهم إذ لو كان صحيحا لم يكن لقوله : أو مدين من قمح معنى انتهى . نقله الشيخ في " الإمام " عنه وقد عرف تساهل الحاكم في تصحيح الأحاديث المدخولة وقول النووي : إنه فعل صحابي قلنا : قد وافقه غيره من الصحابة الجم الغفير بدليل قوله في الحديث : فأخذ الناس بذلك ولفظ : الناس للعموم فكان إجماعا . وكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به مدين من حنطة ولا يضر مخالفة أبي سعيد لذلك بقوله : أما أنا فلا أزال أخرجه لأنه لا يقدح في الإجماع سيما إذا كان فيه الخلفاء الأربعة أو نقول : أراد بالزيادة على قدر الواجب تطوعا والله أعلم .
وقوله : ولنا ما روينا يشير إلى حديث عبد الله بن ثعلبة المتقدم أول الكتاب .
- أحاديث الباب : أخرج أبو داود ( 9 ) والنسائي عن حميد الطويل عن الحسن عن ابن عباس أنه خطب في آخر رمضان على المنبر بالبصرة فقال : اخرجوا صدقة صومكم فكأن الناس لم يعلموا . قال : من ههنا من أهل المدينة ؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم فإنهم لا يعلمون . فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذه الصدقة صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من قمح على كل حر أو مملوك ذكر أو أنثى صغير أو كبير فلما قدم علي رأى رخص السعر فقال : قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعا من كل شيء . قال حميد : وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام انتهى . قال النسائي : والحسن لم يسمع من ابن عباس Bهما . وقال الحاكم ( 10 ) : أخبرنا الحسن بن محمد الأسفرائيني حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال : سمعت علي بن المديني سئل عن هذا الحديث فقال : الحسن لم يسمع من ابن عباس ولا رآه قط كان بالمدينة أيام كان ابن عباس على البصرة . قال : وقول الحسن : خطبنا ابن عباس بالبصرة هو كقول ثابت : قدم علينا عمران بن الحصين ومثل قول مجاهد : خرج علينا علي وكقول الحسن : إن سراقة بن مالك حدثهم . وإنما قوله : خطبنا أي خطب أهل البصرة انتهى . وقال صاحب " تنقيح التحقيق " : الحديث رواته ثقات مشهورون لكن فيه إرسالا فإن الحسن لم يسمع من عباس على ما قيل وقد جاء في مسند أبي يعلى الموصلي في حديث عن الحسن قال : أخبرني ابن عباس وهذا إن ثبت دل على سماعه منه انتهى كلامه . وقال البزار في " مسنده " بعد أن رواه : لا يعلم روى الحسن عن ابن عباس غير هذا الحديث ولم يسمع الحسن من ابن عباس وقوله : خطبنا - أي خطب أهل البصرة - ولم يكن الحسن شاهدا لخطبته ولا دخل البصرة بعد لأن ابن عباس خطب يوم الجمل والحسن دخل أيام صفين انتهى .
- طريق آخر : أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 11 ) عن يحيى بن عباد السعدي حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث صارخا بمكة صاح : إن صدقة الفطر حق واجب : مدان من قمح أو صاع من شعير أو تمر انتهى . ورواه البزار بلفظ : أو صاع مما سوى ذلك من الطعام وصححه الحاكم وقد تقدم . ورواه البزار بلفظ : أو صاع مما سوى ذلك من الطعام وإنما رواه غيره عن ابن جريج عن عطاء من قوله في المدين . وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : وقد تكلم العقيلي في يحيى هذا وضعفه وكذلك ضعفه الدارقطني قال الأزدي : منكر الحديث جدا عن ابن جريج انتهى .
- طريق آخر : أخرجه الدارقطني ( 12 ) عن الواقدي حدثنا عبد المجيد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر بزكاة الفطر : صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو مدين من قمح انتهى . وأعل بالواقدي .
- طريق آخر : أخرجه الدارقطني ( 13 ) عن سلام الطويل عن زيد العمى عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر أو أنثى : نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو صاع من شعير " انتهى . وهو معلول بسلام الطويل .
- حديث آخر : أخرجه الترمذي ( 14 ) عن سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه السلام بعث مناديا ينادي في فجاج مكة : ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى حر أو عبد صغير أو كبير مدان من قمح أو صاع مما سواه من الطعام انتهى . وقال : حسن غريب وأعله ابن الجوزي في " التحقيق " بسالم بن نوح قال : قال ابن معين : ليس بشيء وتعقبه صاحب " التنقيح " فقال : هو صدوق روى له مسلم في " صحيحه " وقال أبو زرعة : صدوق ثقة ووثقه ابن حبان وقال النسائي : ليس بالقوي وقال الدارقطني : فيه شيء وقال ابن عدي : عنده غرائب وأفراد وأحاديثه مقاربة مختلفة .
- طريق آخر : أخرجه الدارقطني عن علي بن صالح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر صائحا فصاح : إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم : مدان من قمح أو صاع من شعير أو تمر انتهى . قال ابن الجوزي : وعلي بن صالح ضعفوه قال صاحب " التنقيح " : هذا خطأ منه ولا نعلم أحدا ضعفه لكنه غير مشهور الحال قال ابن أبي حاتم : علي بن صالح روى عن ابن جريج وروى عنه معتمر بن سليمان سألت أبي عنه فقال : مجهول لا أعرفه وذكر غير أبي حاتم أنه مكي معروف وهو أحد العباد وكنيته أبو الحسن وروى عن عمرو بن دينار وعبد الله بن عثمان بن خيثم ويحيى بن جرحة والأوزاعي وعبيد الله بن عمر وجماعة وروى عنه سعيد بن سالم القداح ومعتمر بن سليمان وسفيان الثوري وروى له الترمذي في " جامعه " وذكره ابن حبان في " كتاب الثقات " وقال : يعرف وتوفي سنة إحدى وخمسين ومائة انتهى . ورواه البيهقي ( 15 ) كذلك عن المعتمر بن سليمان عن علي بن صالح قال : ورواه سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ثم قال : قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال ابن جريج : لم يسمع من عمرو بن شعيب انتهى كلامه . ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب أن النبي عليه السلام أمر صارخا يصرخ الحديث .
- ومن طريق عبد الرزاق : رواه الدارقطني في " سننه " هكذا معضلا وأخرجه الدارقطني أيضا عن عبد الوهاب - هو ابن عطاء - أنا ابن جريج قال : قال عمرو بن شعيب : بلغني أن النبي عليه السلام أمر صارخا يصرخ الحديث .
- حديث آخر : رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 16 ) من طريق ابن المبارك أنا ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر Bهم قالت : كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم مدين من قمح بالمد الذي يقتانون به انتهى . وضعفه ابن الجوزي بابن لهيعة قال صاحب " التنقيح " : وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة سيما إذا كان من رواية إمام مثل ابن المبارك عنه والله أعلم .
- حديث آخر : أخرجه البخاري ومسلم ( 17 ) عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك : صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به مدين من حنطة انتهى .
- طريق آخر : أخرجه الدارقطني ( 18 ) ثم البيهقي عن سليمان بن موسى أن نافعا أخبره عن ابن عمر قال : أمر رسول الله A عمرو بن حزم في زكاة الفطر بنصف صاع من حنطة أو صاع من تمر انتهى . قال البيهقي : هذا لا يصح وكيف يصح ورواية الجماعة عن نافع عن ابن عمر أن تعديل الصاع بمدين من حنطة إنما كان بعد رسول الله A وأعله ابن الجوزي بسليمان ابن موسى قال : قال ابن المديني : مطعون عليه وقال البخاري : عنده مناكير .
- طريق آخر : أخرجه أبو داود والنسائي ( 19 ) عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله A صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو زبيب فلما كان عمر Bه وكثرت الحنطة جعل نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء وأعله ابن الجوزي بعبد العزيز قال : قال ابن حبان : كان يحدث عن التوهم فسقط الاحتجاج به وقد تقدم في حديث أبي سعيد أنه إنما عدل القيمة في الصاع معاوية فأما عمر فإنه كان أشد اتباعا للأثر من أن يفعل ذلك انتهى . قال صاحب " التنقيح " : وعبد العزيز هذا وإن كان ابن حبان تكلم فيه فقد وثقه يحيى بن سعيد القطان وابن معين وأبو حاتم الرازي وغيرهم والموثقون له أعرف من المضعفين وقد أخرج له البخاري استشهادا انتهى .
- حديث آخر : أخرجه الدارقطني عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي عليه السلام أنه قال في صدقة الفطر : نصف صاع من بر أو صاع من تمر انتهى . والحارث معروف قال الدارقطني : والصحيح موقوف ثم أخرجه عن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي إسحاق به موقوفا وقال في " كتاب العلل " : هذا حديث يرويه أبو إسحاق واختلف عليه فرواه أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي وقال فيه : نصف صاع من بر ثم اختلف عنه فرفعه أبو بكر محمد بن عبد الله بن غيلان البزار عن أبي بكر بن عياش ووهم في رفعه وغيره يرويه موقوفا ورواه أبو العميس عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي وقال فيه : صاعا من حنطة ووقفه أيضا والصحيح موقوف انتهى .
- حديث آخر : أخرجه الدارقطني أيضا عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال : خطبنا رسول الله A فقال : من كان عنده شيء فليتصدق بنصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من دقيق أو صاع من زبيب أو صاع من سلت انتهى . قال الدارقطني : لم يروه بهذا الإسناد غير سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث انتهى .
( يتبع ... )