- الحديث السادس : قال عليه السلام : .
- " في الرجل يعتق نصيبه إن كان غنيا وإن كان فقيرا سعى العبد في حصة الآخر " .
قلت : أخرجه الأئمة الستة ( 1 ) عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من أعتق شقصا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه انتهى . أخرجه البخاري في " العتق - وفي الشركة " ومسلم في " العتق - وفي النذور " وأبو داود في " العتق " والترمذي وابن ماجه في " الأحكام " والنسائي في " سننه الكبرى - في العتق " وألفاظهم فيه متقاربة وفي لفظ في " الصحيحين " ويستسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه انتهى . قال أبو داود ( 2 ) : ورواه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة ولم يذكر السعاية ورواه جرير بن حزم وموسى بن خلف عن قتادة فذكرا فيه السعاية انتهى . وقال الترمذي : روى شعبة عن قتادة هذا الحديث ولم يذكر فيه أمر السعاية انتهى . وقال النسائي : أثبت أصحاب قتادة شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وقد اتفق شعبة وهشام على خلاف سعيد بن أبي عروبة ( 3 ) وروايتهما أولى بالصواب عندنا وقد بلغني أن هماما روى هذا الحديث عن قتادة فجعل الكلام الأخير : - وإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه - قول قتادة انتهى . وقال عبد الرحمن بن مهدي : أحاديث همام عن قتادة أصح من حديث غيره لأنه كتبها إملاء وقال الدارقطني ( 4 ) : روى هذا الحديث شعبة وهشام عن قتادة وهما أثبت فلم يذكرا فيه الاستسعاء ووافقهما همام وفصل الاستسعاء من الحديث فجعله من رأي قتادة قال : وسمعت أبا بكر النيسابوري يقول : ما أحسن ما رواه همام وضبطه فصل قول النبي صلى الله عليه وسلّم من قول قتادة ورواه ابن أبي عروبة وجرير بن حازم عن قتادة فجعلا الاستسعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلّم وأحسبهما وهما فيه لمخالفة شعبة وهشام وهمام إياهما انتهى . وقال الخطابي : اضطرب سعيد بن أبي عروبة في " السعاية " فمرة يذكرها ومرة لا يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث عنده وإنما هو من كلام قتادة وتفسيره على ما ذكره همام وبينه ويدل على صحة ذلك حديث ابن عمر رواه الأئمة الستة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق " انتهى . قلت : في لفظ للبخاري : قال أيوب ( 5 ) : لا أدري من قول نافع أو في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم - يعني قوله : فقد عتق منه ما عتق - وفي لفظ : قال ( 6 ) : من أعتق شركا له في مملوك وجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال قدر ثمنه ويعطي شركائهم حصصهم ويخلي سبيل المعتق انتهى . ذكره في " الشركة " وقال البيهقي : فقد اجتمع ههنا شعبة مع فضل حفظه وعمله بما سمع قتادة وما لم يسمع وهشام مع فضل حفظه وهمام مع صحة كتابته وزيادة معرفته بما ليس من الحديث على خلاف ابن أبي عروبة ومن تابعه من إدراج السعاية في الحديث وفي هذا ما يضعف ثبوت الاستسعاء بالحديث وذكر أبو بكر الخطيب أن أبا عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقري رواه عن همام وزاد فيه ذكر الاستسعاء وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم انتهى . وقال البيهقي في " المعرفة " : وقد حمل بعض أهل العلم السعاية المذكورة في الحديث على استسعاء العبد عند إعسار الشريك باختيار العبد دون إجباره عليه بدليل قوله : غير مشقوق عليه وفي إجباره على السعي في قيمته وهو لا يريد مشقة عظيمة انتهى . وقال صاحب " التنقيح " : وقد تكلم جماعة من الأئمة في حديث سعيد هذا وضعفوا ذكر الاستسعاء وقالوا : الصواب أن ذكر الاستسعاء من رأي قتادة كما رواه همام عنه فجعله من قوله وفي قول هؤلاء الأئمة نظر فإن سعيد بن أبي عروبة من الأثبات في قتادة وليس هو بدون همام وقد تابعه جماعة على ذكر الاستسعاء ( 7 ) ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وهم جرير بن أبي حازم وأبان بن يزيد العطار وحجاج بن حجاج وموسى بن خلف وحجاج بن أرطاة ويحيى بن صبيح الخراساني انتهى .
[ أحاديث مختلفة ] : .
- أحاديث الباب : روى الطبراني في " كتاب مسند الشاميين " حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى ابن حمزة حدثني أبي عن أبيه قال : زعم أبو معبد حفص بن غيلان عن سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر " ح " وعن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : من أعتق شركا وله وفاء فهو حر وضمن نصيب شركائه بقيمة عدل فإن لم يكن له شيء استسعى العبد انتهى .
- حديث آخر : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن داود بن الزبرقان عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : من اعتق شقصا له من رقيق فإن عليه أن يعتق بقيته فإن لم يكن له مال استسعى العبد انتهى . وأعله بداود بن الزبرقان وضعفه عن ابن معين والنسائي ثم قال : وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم انتهى .
_________ .
( 1 ) عند البخاري في " العتق - باب إذا أعتق نصيبا في العبد وليس له مال استسعى العبد " ص 343 - ج 1 ، وفي " الشركة " مرارا : ص 339 ، وص 340 - ج 1 ، وعند مسلم في " العتق " ص 492 - ج 1 ، وفي " النذور والأيمان " ص 53 - ج 2 ، وأبو دلو في " العتق - باب من ذكر السعاية في هذا الحديث " ص 193 - ج 2 ، وعند الترمذي في " الأحكام - باب ما جاء في العبد بين رجلين فيعتق أحدهما نصيبه " ص 172 - ج 1 ، وابن ماجه في " العتق - باب من أعتق شركا له في عبد " ص 184 .
( 2 ) ذكره أبو داود في " باب من ذكر السعاية في هذا الحديث " ص 193 - ج 2 .
( 3 ) أي لم يذكراها كما في " الدراية " ص 337 .
( 4 ) راجع الدارقطني في " كتاب المكاتب " ص 477 ، وص 478 - ج 2 .
( 5 ) ذكر هذا القول البخاري في " الشركة - باب تقويم الأشياء بين الشركاء " ص 339 - ج 1 .
( 6 ) هذا اللفظ عند البخاري في " الشركة - باب الشركة في الرقيق " ص 340 .
( 7 ) وفي هامش الدارقطني : ص 477 ، روى البخاري قال : حدثني أحمد بن أبي رجاء حدثنا يحيى بن آدم حدثنا جرير بن حازم قال : سمعت قتادة الحديث وأيضا قال : حدثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة فذكر فيه الاستسعاء ثم ذكر أسماء من تابع سعيدا عن قتادة ومر آنفا قال الحافظ : أراد البخاري بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به فاستظهر له برواية جرير ابن حازم بموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها فأما رواية حجاج بن حجاج فمن رواية أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن همام عن حجاج وفيها ذكر السعاية ورواه عن قتادة أيضا حجاج بن أرطاة أخرجه الطحاوي وأما رواية أبان فأخرجها أبو داود والنسائي من طريقه قال : حدثنا قتادة أخبرنا النضر بن أنس ولفظه : فإن عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال وإلا استسعى العبد الحديث . ولأبي داود فعليه أن يعتقه كله والباقي سواء وأما رواية موسى بن خلف فوصلها الخطيب في " كتاب الفصل والوصل " من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مطهر عنه عن قتادة عن النضر وهو الذي رجحه ابن دقيق العيد وجماعة منهم صاحبا الصحيح لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه من همام وغيره وهشام وشعبة وإن كانا أحفظ من سعيد لكنهما لم ينافيا ما رواه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره وهذا كله لو انفرد وسعيد لم ينفرد وقد قال النسائي في حديث قتادة عن أبي المليح في هذا الباب بعد أن ساق الاختلاف فيه على قتادة : هشام وسعيد أثبت في قتادة من همام كذا ذكره الحافظ في " الفتح " انتهى . وقال ابن دقيق العيد : حسبك بما اتفق عليه الشيخان فإنه أعلى درجات الصحيحين انتهى