تفسير الاستعاذة .
- 1 - قال الله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } .
- 2 - وقال تعالى : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين . وأعوذ بك رب أن يحضرون } .
- 3 - وقال تعالى : { وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } .
فهذه ثلاث أيات ليس لهن رابعة في معناها .
فالله تعالى يأمر بمصانعة ( العدو الأنسي ) والإحسان إليه ليرده عنه طبعه إلى الموالاة والمصافاة .
ويأمر بالاستعاذة من ( العدو الشيطاني ) لا محالة إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم كما قال تعالى : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } وقال تعالى : { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو } ؟ .
وقد أقسم لآدم وكذب عليه فكيف معاملته لنا وقد قال : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين } ؟ وقالت طائفة من القراء : يتعوذ بعد القراءة واعتمدوا على ظاهر سياق الآية . والمشهور الذي عليه الجمهور : أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها ومعنى الآية { فإذا قرأت القرآن } أي إذا أردت القراءة كقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } أي إذا أردتم القيام ويدل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان إذا قام من الليل استفتح صلاته بالتكبير والثناء ثم يقول : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " ( رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري وأخرجه أصحاب السنن الأربعة ) .
ومعنى : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " أي أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله والاستعاذة : هي الإلتجاء إلى الله تعالى من شر كل ذي شر والعياذة تكون لدفع الشر واللياذ يكون لطلب الخير كما قال المتنبي : .
يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به مما أحاذره .
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ... ولا يهيضون عظما أنت جابره .
و ( الشيطان ) في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد فهو بعيد بفسقه عن كل خير وقيل : من شاط لأنه مخلوق من نار والأول أصح قال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشياطين ولو كان من شاط لقالوا : تشيط فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح ولهذا يسمون كل متمرد من جني وإنسي وحيوان " شيطانا " قال تعالى { شياطين الإنس والجن } وركب عمر برذونا فجعل يتبختر به فضربه فلم يزدد إلا تبخترا فنزل عنه وقال : ما حملتموني إلا على شيطان لقد أنكرت نفسي ( رواه ابن وهب عن زيد بن أسلم عن أبيه وإسناده صحيح ) .
و ( الرجيم ) فعيل . بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود عن الخير كما قال تعالى : { وجعلناها رجوما للشياطين } وقال تعالى : { وحفظناها من كل شيطان رجيم . إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين }