44 - تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا .
يقول تعالى تقدسه السماوات السبع والأرض ومن فيهن أي من المخلوقات وتنزهه وتعظمه ووتبجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون وتشهد له بالوحدانية في ربويته وإلهيته : .
ففي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد .
كما قال تعالى : { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ... أن دعوا للرحمن ولدا } . وقوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } أي لا تفهمون تسبيحهم لأنها بخلاف لغاتكم وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال : كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل وفي حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلّم أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيح كحنين النحل وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان Bهم ( قال ابن كثير : وهو حديث مشهور في المسانيد ) . وقال الإمام أحمد عن أنس Bه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه دخل على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فقال لهم : " اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا منه " . وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن قتل الضفدع وقال : نقيقها تسبيح . وعن جابر بن عبد الله Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ألا أخبركم بشيء أمر به نوح .
ابنه ؟ إن نوح عليه السلام قال لابنه : يا بني آمرك أن تقول سبحان الله فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق وبها يرزق الخلق " قال الله تعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } ( أخرجه ابن جرير قال ابن كثير : في إسناده ضعف ) . وقال عكرمة في قوله تعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال : الأسطوانة تسبح والشجرة تسبح وقال بعض السلف : صرير الباب تسبيحه وخرير الماء تسبيحه .
وقال آخرون : إنما يسبح من كان فيه روح من حيوان ونبات قال قتادة في قوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال : كل شيء فيه روح يسبح من شجر أو شيء فيه وقال الحسن والضحاك : كل شيء فيه الروح . وقد يستأنس لهذا القول بحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مر بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة .
ثم قال : " لعله يخفف عنهما ما لم يبسا ( أخرجه الشيخان عن ابن عباس مرفوعا ) قال بعض من تكلم عن هذا الحديث من العلماء إما قال ما لم ييبسا : لأنهما يسبحان ما دام فيهما خضرة فإذا يبسا انقطع تسبيحهما والله أعلم . وقوله : { إنه كان حليما غفورا } أي إنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة بل يؤجله وينظره فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر كما جاء في الصحيحين : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة } الآية . وقال تعالى : { وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة } الآية . وقال : { وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة } : الآيتينن ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان ورجع إلى الله وتاب إليه تاب عليه كما قال تعالى : { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله } الآية . وقال ههنا : { إنه كان حليما غفورا } كما قال في آخر فاطر : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا } إلى أن قال : { ولو يؤاخذ الله الناس } إلى آخر السورة