63 - قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا .
- 64 - واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا .
- 65 - إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا .
لما سأل إبليس النظرة قال الله له { اذهب } فقد أنظرتك كما قال في الآية الأخرى { فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم } ثم أوعده ومن اتبعه من ذرية آدم جهنم { قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم } أي على أعمالكم { جزاء موفورا } قال مجاهد : وافرا وقال قتادة : موفورا عليكم لا ينقص لكم منه وقوله تعالى : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } قيل : هو الغناء . قال مجاهد باللهو والغناء أي استخفهم بذلك وقال ابن عباس في قوله : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } قال : كل داع دعا إلى معصية الله D واختاره ابن جرير وقوله تعالى : { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } يقول : واحمل عليهم بجنودك خيالتهم ورجلتهم فإن الرجل جمع راجل كما أن الركب جمع راكب ومعناه تسلط عليهم بكل ما تقدر عليه وهذا أمر قدري كقوله تعالى : { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا } أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا وتسوقهم إليها سوقا . وقال قتادة : إن له خيلا ورجالا من الجن والإنس وهم الذين يطيعونه تقول العرب : أجلب فلان على فلان إذا صاح عليه ومنه نهى في المسابقة عن الجلب والجنب ومنه اشتقاق الجلبة وهي ارتفاع الأصوات وقوله تعالى : { وشاركهم في الأموال والأولاد } قال ابن عباس ومجاهد : هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله تعالى وقال عطاء : هو الربا وقال الحسن : هو جمعها من خبيث وإنفاقها في حرام والآية تعم ذلك كله وقوله : { والأولاد } يعني أولاد الزنا ( قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك ) وقال ابن عباس : هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفها بغير علم وقال الحسن البصري : قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مجسوا وهودوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزأوا من أموالهم جزءا للشيطان وقال أبو صالح عن ابن عباس : هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد فلان .
قال ابن جرير : وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كل مولود ولدته أنثى عصي الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو وأده أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به فقد دخل في مشاركة إبليس فيه لأن الله لم يخصص بقوله : { وشاركهم في الأموال والأولاد } معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى فكل ما عصي الله فيه أو به أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة وهذا الذي قاله متجه وكل من السلف رحمهم الله فسر بعض المشاركة وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال باسم الله اللهم جنبا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا " وقوله تعالى : { وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضى بالحق : { إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم } الآية . وقوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } إخبار بتأييده تعالى عباده المؤمنين وحفظه إياهم وحراسته لهم من الشيطان الرجيم ولهذا قال تعالى : { وكفى بربك وكيلا } أي حافظا ومؤيدا ونصيرا . وفي الحديث : " إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر " ( رواه أحمد عن أبي هريرة مرفوعا ) ينضي أي يأخذ بناصيته ويقهره