27 - فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا .
- 28 - يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا .
- 29 - فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا .
- 30 - قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا .
- 31 - وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا .
- 32 - وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا .
- 33 - والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا .
يقول تعالى مخبرا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك ولا تكلم أحدا من البشر فإنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها فسلمت لأمر الله D واستسلمت لقضائه فأخذت ولدها فأتت به قومها تحمله فلما رأوها كذلك أعظموا أمرها واستنكروه جدا وقالوا { يا مريم لقد جئت شيئا فريا } أي أمرا عظيما { يا أخت هارون } أي يا شبيهة هارون في العبادة { ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا } أي أنت من بيت طيب طاهر معروف بالصلاح والعبادة والزهادة فكيف صدر هذا منك ؟ قال السدي : قيل لها { يا أخت هارون } أي أخي موسى وكانت من نسله كما يقال للتميمي : يا أخا تميم وللمضري : يا أخا مضر وقيل : نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه .
هارون ( قال السهيلي : هارون رجل من عباد بني إسرائيل المجتهدين كانت مريم تشبه به في اجتهادها ليس بهارون أخي موسى بن عمران فإن بينهما من الدهر الطويل والقرون الماضية والأمم الخالية ما قد عرفه الناس ) فكانت تقاس به في الزهادة والعبادة . وقد كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم . كما قال الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى نجران فقالوا : أرأيت ما تقرأون { يا أخت هارون } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ؟ قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم " ( وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ) .
وقال ابن جرير عن قتادة قوله { يا أخت هارون } الآية قال : كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ولا يعرفون بالفساد ومن الناس من يعرفون بالصلاح ويتوالدون به وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به وكان هارون مصلحا محببا في عشيرته وليس بهارون أخي موسى ولكنه هارون آخر قال وذكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفا كلهم يسمون هارون من بني إسرائيل . وقوله : { فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا } أي أنهم لما استرابوا في أمرها واستنكروا قضيتها وقالوا لها ما قالوا معرضين بقذفها ورميها بالفرية وقد كانت يومها هذا صائمة صامتة فأحالت الكلام عليه وأشارت لهم إلى خطابه وكلامه فقالوا متهكمين بها ظانين أنها تزدري بهم وتلعب بهم { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } ؟ قال السدي : لما أشارت إليه غضبوا وقالوا لسخريتها بنا حتى تأمرنا أن نكلم هذا الصبي أشد علينا من زناها { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا } أي من هو موجود في مهده في حال صباه وصغره كيف يتكلم ؟ { قال : إني عبد الله } أول شيء تكلم به أن نزه جناب ربه تعالى وبرأه عن الولد وأثبت لنفسه العبودية لربه وقوله : { آتاني الكتاب وجعلني نبيا } تبرئة لأمه مما نسبت إليه من الفاحشة قال نوف البكالي : لما قالوا لأمه ما قالوا كان يرتضع ثديه فنزع الثدي من فمه واتكأ على جنبه الأيسر وقال : { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا - إلى قوله - ما دمت حيا } .
وقوله تعالى : { وجعلني مباركا أين ما كنت } قال مجاهد : وجعلني معلما للخير وفي رواية عنه : نفاعا وقوله : { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا } كقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلّم : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } . وقوله : { وبرا بوالدتي } أي وأمرني ببر والدتي ذكره بعد طاعة ربه لأن الله تعالى كثيرا ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين كما قال تعالى : { أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } وقوله : { ولم يجعلني جبارا شقيا } أي ولم يجعلني جبارا مستكبرا عن عبادته وطاعته وبر والدتي فأشقى بذلك قال سفيان الثوري : الجبار الشقي الذي يقتل على الغضب وقال بعض السلف : لا تجد أحدا عاقا لوالديه إلا وجدته جبارا شقيا ثم قرأ : { وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا } . وقوله : { والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } إثبات منه لعبوديته لله D وأنه مخلوق من خلق الله يحيا ويموت ويبعث كسائر الخلائق ولكن له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشق ما يكون على العباد صلوات الله وسلامه عليه