34 - ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون .
- 35 - ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون .
- 36 - وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم .
- 37 - فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم .
يقول تعالى لرسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه : ذلك الذي قصصناه عليك من خبر عيسى عليه السلام { قول الحق الذي فيه يمترون } أي يختلف المبطلون والمحققون ممن آمن به وكفر به ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبدا نبيا نزه نفسه المقدسة فقال : { ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه } أي عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علوا كبيرا { إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } أي إذا أراد شيئا فإنما يأمر به فيصير كما يشاء كما قال : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } وقوله : { وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم } أي ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم وأمرهم بعبادته فقال { فاعبدوه هذا صراط مستقيم } أي هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم من اتبعه رشد وهدي ومن خالفه ضل وغوى وقوله : { فاختلف الأحزاب من بينهم } أي اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله وأنه عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله على أنه ولد زنية وقالوا : كلامه هذا سحر وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله وقال آخرون : بل هو ابن الله وقال آخرون : ثالث ثلاثة وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله وهذا هو قول الحق الذي أرشد إليه المؤمنين وقد روي نحو هذا عن ابن جريج وقتادة وغير واحد من السلف والخلف .
وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن ( قسطنطين ) جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبيعن أسقفا فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متبانيا جدا فقالت كل شرذمة فيه قولا ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلثمائة وثمانية منهم اتفقوا على قول وصمموا عليه فمال إليهم الملك وكان فيلسوفا فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة ووضعوا له كتب القوانين وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة وحرفوا دين المسيح وغيروه فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها بلاد الشام والجزيرة والروم فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثني عشر ألف كنيسة وقوله : { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم } تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى وزعم أن له ولدا ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة وأجلهم حلما فإنه الذي لا يعجل على من عصاه كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " وقد قال تعالى : { وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير } وقال تعالى : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار } ولهذا قال ههنا { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم } أي يوم القيامة . وقد جاء في الحديث الصحيح المتفق على صحته عن عبادة بن الصامت Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل "