123 - قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى .
- 124 - ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى .
- 125 - قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا .
- 126 - قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى .
يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس اهبطوا منها جميعا : أي من الجنة كلكم { بعضكم لبعض عدو } آدم وذريته وإبليس وذريته وقوله : { فإما يأتينكم مني هدى } قال أبو العالية : الأنبياء والرسل والبيان { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } قال ابن عباس : لا يضل في الدينا ولا يشقى في الآخرة { ومن أعرض عن ذكري } أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه { فإن له معيشة ضنكا } أي ضنكا في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ربية يتردد فهذا من ضنك المعيشة . قال ابن عباس { فإن له معيشة ضنكا } قال : الشقاء . وعنه : إن قوما ضلالا أعرضوا عن الحق وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين فكانت معيشتهم ضنكا فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معشيته فذلك الضنك . وقال الضحاك : هو العمل السيء والرزق الخبيث . وروى سفيان عن عيينة عن أبي سعيد في قوله { معيشة ضنكا } قال : يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه .
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " المؤمن في قبره في روضة خضراء ويفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له قبره كالقمر ليلة البدر أتدرون فيم أنزلت هذه الآية { فإن له معيشة ضنكا } ؟ أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم قال : " عذاب الكافر في قبره والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا أتدرون ما التنين ؟ تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رؤوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون " ( الحديث رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعا وفي رفعه نظر قال ابن كثير : رفعه منكر جدا ) . وروى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم في قول الله D { فإن له معيشة ضنكا } قال : " المعيشة الضنك الذي قال الله إنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة " . وقوله : { ونحشره يوم القيامة أعمى } قال مجاهد والسدي : لا حجة له وقال عكرمة : عمي عليه كل شيء إلا جهنم ويحتمل أن يكون المراد أن يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا كما قال تعالى : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم } الآية ولهذا يقول : { رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا } ؟ أي في الدينا { قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } أي لما أعرضت عن آيات الله وتناسيتها وأعرضت عنها كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } فإن الجزاء من جنس العمل فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص وإن كان متوعدا عليه من جهة أخرى عن سعد بن عبادة Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " ما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم " ( الحديث أخرجه الإمام أحمد عن سعد بن عبادة )