28 - ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير .
- 29 - ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق .
قال ابن عباس { ليشهدوا منافع لهم } قال : منافع الدنيا والآخرة أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات وكذا قال مجاهد وغير واحد : إنها منافع الدنيا والآخرة كقوله : { ليس عليكم جناح أن تتبغوا فضلا من ربكم } وقوله : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } قال ابن عباس : الأيام المعلومات أيام العشر وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل وقال البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " ما العمل في أيام أفضل منها في هذه " قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء " وروى الإمام أحمد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العلم فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " وقال البخاري : وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وقد روي عن جابر مرفوعا أن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في قوله : { والفجر وليال عشر } وقال بعض السلف : إنه المراد بقوله : { وأتممناها بعشر } .
وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصوم هذا العشر وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن صيام يوم عرفة فقال : أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ) ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله وبالجملة فهذا العشر قد قيل إنه أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث وفضله كثير على عشر رمضان الأخير لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيرها ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه وقيل ذلك أفضل لاشتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وتوسط آخرون فقالوا : أيام هذا أفضل وليالي ذاك أفضل وبهذا يجتمع شمل الأدلة والله أعلم ( قول ثان ) في الأيام المعلومات : قال ابن عباس : الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه . ( قول ثالث ) : عن نافع عن ابن عمر كان يقول : الأيام المعلومات المعدوات هن جميعهن أربعة أيام فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده والأيام المعدوات ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهو مذهب الإمام مالك بن أنس . ( قول رابع ) : إنها يوم عرفة ويوم النحر ويوم آخر بعده وهو مذهب أبي حنيفة وقوله : { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } يعني الإبل والبقر والغنم كما فصلها تعالى في سورة الأنعام . وقوله : { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي وهو قول غريب والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ فأكل من لحمها وحسا من مرقها وقال مالك أحب أن يأكل من أضحيته لأن الله يقول : { فكلوا منها } وقال سفيان الثوري عن إبراهيم { فكلوا منها } قال : المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين فمن شاء أكل ومن لم يشأ لم يأكل . وعن مجاهد في قوله : .
{ فكلوا منها } قال : هي كقوله : { فإذا حللتم فاصطادوا } { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره .
وقوله تعالى : { البائس الفقير } قال عكرمة : هو المضطر الذي يظهر عليه البؤس وهو الفقير المتعفف وقال مجاهد : هو الذي لا يبسط يده . وقال قتادة : هو الزمن . وقال مقاتل : هو الضرير وقوله : { ثم ليقضوا تفثهم } قال ابن عباس : هو وضع الإحرام من حلق الرأس ولبس الثيابن وقص الأظافر ونحو ذلك وقوله : { وليوفوا نذورهم } يعني نحر ما نذر من أمر البدن وقال مجاهد { وليوفوا نذورهم } نذر الحج والهدي وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج وعنه : كل نذر إلى أجل وقوله : { وليطوفوا بالبيت العتيق } قال مجاهد : يعني الطواف الواجب يوم النحر وقال أبو حمزة قال قال لي ابن عباس : أتقرأ سورة الحج يقول الله تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق } ؟ فإن آخر المناسك الطواف بالبيت العتيق ( أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) قلت : وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنه لما رجع إلى منى يوم النحر بدأ برمي الجمرة فرماها بسبع حصيات ثم نحر هديه وحلق رأسه ثم أفاض فطاف بالبيت وفي الصحيحين عن ابن عباس أنه قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف إلا أنه خفف عن المرأة الحائض وقوله : { بالبيت العتيق } قال الحسن البصري في قوله : { وليطوفوا بالبيت العتيق } قال : لأنه أول بيت وضع للناس وقال خصيف : إنما سمي البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار قط . وعن مجاهد : لم يرده أحد بسوء إلا هلك وفي الحديث : " إنما سمي البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار " ( أخرجه الترمذي عن عبد الله بن الزبير مرفوعا وكذا رواه ابن جرير وقال الترمذي : حديث حسن غريب ) . روي مرفوعا ومرسلا