بسم الله الرحمن الرحيم .
- 1 - قد أفلح المؤمنون .
- 2 - الذين هم في صلاتهم خاشعون .
- 3 - والذين هم عن اللغو معرضون .
- 4 - والذين هم للزكاة فاعلون .
- 5 - والذين هم لفروجهم حافظون .
- 6 - إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين .
- 7 - فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون .
- 8 - والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون .
- 9 - والذين هم على صلواتهم يحافظون .
- 10 - أولئك هم الوارثون .
- 11 - الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون .
روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب قال : كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه .
وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال : " اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض علينا وأرضنا ثم قال : لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة " ثم قرأ { قد أفلح المؤمنون } حتى ختم العشر ( أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي ) . وقال النسائي في تفسيره عن يزيد بن بابنوس قال قلنا لعائشة أم المؤمنين : كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم القرآن فقرأت : { قد أفلح المؤمنون - حتى انتهت إلى - والذين هم على صلواتهم يحافظون } قالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم . وعن أنس Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرجدة خضراء ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها : انطقي قالت : { قد أفلح المؤمنون } فقال الله : وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } ( أخرجه ابن أبي الدنيا ورواه الحافظ البزار والطبراني بنحوه ) وقوله تعالى : { قد أفلح المؤمنون } أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال ابن عباس : { خاشعون } خائفون ساكنون وعن علي : الخشوع خشوع القلب وقال الحسن البصري : كان خشوعهم في قلوبهم فغضوا بذلك أبصارهم وخفضوا الجناح . وقال محمد بن سيرين : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزلت هذه الآية : { قد أفلح المؤمنون ... الذين هم في صلاتهم خاشعون } خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها وحينئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم : " حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " ( الحديث أخرجه الإمام أحمد والنسائي عن أنس بن مالك مرفوعا ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " يا بلال أرحنا بالصلاة " ( أخرجه الإمام أحمد في المسند ) .
وقوله تعالى : { والذين هم عن اللغو معرضون } أي عن الباطل وهو يشمل الشرك كما قاله بعضهم والمعاصي كما قاله آخرون وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال كما قال تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } قال قتادة : أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك وقوله : { والذين هم للزكاة فاعلون } الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة والظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية : { وآتوا حقه يوم حصاده } وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة ههنا زكاة النفس من الشرك والدنس كقوله : { قد أفلح من زكاها ... وقد خاب من دساها } وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال فإنه من جملة زكاة النفوس المؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا والله أعلم . وقوله : { والذين هم لفروجهم حافظون ... إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ... فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال : { فإنهم غير ملومين ... فمن ابتغى وراء ذلك } أي غير الأزواج والإماء { فأولئك هم العادون } أي المعتدون . وقد استدل الإمام الشافعي C ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة : { والذين هم لفروجهم حافظون ... إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } قال : فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين وقد قال الله تعالى : { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } .
وقوله تعالى : { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } أي إذا اؤتمنوا لم يخونوا بل يؤدونها إلى أهلها وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " وقوله : { والذين هم على صلواتهم يحافظون } أي يواظبون عليها في مواقيتها كما قال ابن مسعود : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت : يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : " الصلاة على وقتها " قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " ( أخرجاه في الصحيحين ) وفي مستدرك الحاكم قال : " الصلاة في أول وقتها " وقال ابن مسعود ومسروق في قوله : { والذين هم على صلواتهم يحافظون } يعني مواقيت الصلاة وقال قتادة : على مواقيتها وروكوعها وسجودها وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة واختتمها بالصلاة فدل على أفضليتها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " . ولما وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال : { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } وثبت في الصحيحين : " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله : { أولئك هم الوارثون } ( أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة ) " . وقال مجاهد : ما من عبد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فأما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة ويهدم بيته الذي في النار وأما الكافر فيهدم بيته الذي في الجنة ويبني بيته الذي في النار فالمؤمنون يرثون منازل الكفار لأنهم أطاعوا ربهم D بل أبلغ من هذا أيضا وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقال هذا فكاكك من النار " فاستخلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بذلك قال : فحلف له ( أخرجه مسلم عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا ) . قلت : وهذه الآية كقوله تعالى : { تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا } وكقوله : { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } وقد قال مجاهد : الجنة هي الفردوس وقال بعض السلف : لا يسمى البستان الفردوس إلا أذا كان فيه عنب فالله أعلم