12 - ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين .
- 13 - ثم جعلناه نطفة في قرار مكين .
- 14 - ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين .
- 15 - ثم إنكم بعد ذلك لميتون .
- 16 - ثم إنكم يوم القيامة تبعثون .
يقول تعالى مخبرا عن ابتداء خلق الإنسان من سلالة من طين وهو آدم عليه السلام خلقه الله من صلصال من حمإ مسنون وقال ابن عباس { من سلالة من طين } قال : من صفوة الماء وقال مجاهد : من سلالة أي من مني بني آدم وقال ابن جرير : إنما سمي طينا لأنه مخلوق منه وقال قتادة : استل آدم من الطين وهذا أظهر في المعنى وأقرب إلى السياق فإن آدم عليه السلام خلق من طين لازب وهو الصلصال الحمإ المسنون وذلك مخلوق من التراب كما قال تعالى : { ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب وبين ذلك " ( أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح ) . { ثم جعلناه نطفة } هذا الضمير عائد على جنس الإنسان كما قال في الآية الأخرى : { وبدأ خلق الإنسان من طين ... ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين } أي ضعيف كما قال : { ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين } يعني الرحم معد لذلك مهيأ له { إلى قدر .
معلوم فقدرنا فنعم القادرون } أي مدة معلومة وأجل معين حتى استحكم ونقل من حال إلى حال وصفة إلى صفة ولهذا قال ههنا { ثم خلقنا النطفة علقة } أي ثم صيرنا النطفة وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره وترائب المرأة وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى السرة فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة قال عكرمة وهي دم { فخلقنا العلقة مضغة } وهي قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط { فخلقنا المضغة عظاما } يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها . وفي الصحيح : " كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب ( ما استدق في مؤخره ) الذنب منه خلق وفيه يركب " . { فكسونا العظام لحما } أي جعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه { ثم أنشأناه خلقا آخر } أي ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واصظراب { فتبارك الله أحسن الخالقين } . عن ابن أبي طالب Bه قال : إذا أتت على النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكا فنفخ فيها الروح في ظلمات ثلاث فذلك قوله : { ثم أنشأناه خلقا آخر } يعني نفخنا فيه الروح وقال ابن عباس : يعني فنفخنا فيه الروح ( وكذا روي عن أبي سعيد الخدري ومجاهد وعكرمة والشعبي والضحاك والحسن البصري ) واختاره ابن جرير وقال العوفي عن ابن عباس { ثم أنشأناه خلقا آخر } : يعني ننقله من حال إلى حال إلى أن خرج طفلا ثم نشأ صغيرا ثم احتلم ثم صار شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم هرما وفي الصحيح : " إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : رزقه وأجله وعمله وهل هو شقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها " ( أخرجاه في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود ورواه الإمام أحمد ) .
وقال عبد الله بن مسعود : إن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل شعر وظفر فتمكث أربعين يوما ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة ( رواه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود موقوفا ) وفي الصحيح : " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ليلة فيقول يا رب ماذا ؟ شقي أم سعيد أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله فيكتبان ويكتب عمله وأثره ومصيبته ورزقه ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص " ( الحديث رواه مسلم والإمام أحمد عن حذيفة بن أسيد الغفاري مرفوعا ) . وروى الحافظ أبو بكر البزار عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " إن الله وكل بالرحم ملكا فيقول : أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله خلقها قال : أي رب ذكر أو أنثى ؟ شقي أو سعيد ؟ فما الرزق والأجل ؟ قال : فذلك يكتب في .
بطن أمه " ( الحديث أخرجاه في الصحيحين ورواه الحافظ البزار واللفظ له ) . وقوله : { فتبارك الله أحسن الخالقين } : يعني حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال ومن شكل إلى شكل حتى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق قال : { فتبارك الله أحسن الخالقين } وقوله : { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } يعني بعد هذه النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت { ثم إنكم يوم القيامة تبعثون } يعني النشأة الآخرة { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } يعني يوم المعاد وقيام الأرواح إلى الأجساد فيحاسب الخلائق ويوفي كل عامل عمله إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر