23 - إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم .
- 24 - يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .
- 25 - يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين .
هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات خرج مخرج الغالب { المؤمنات } فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة ولا سيما التي كانت سبب النزول وهي عائشة بنت الصديق Bهما وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية فإنه كافر لأنه معاند للقرآن وقوله تعالى : { لعنوا في الدنيا والآخرة } كقوله : { إن الذين يؤذون الله ورسوله } الآية وقد ذهب بعضهم إلى أنها خاصة بعائشة Bها قال ابن عباس : نزلت في عائشة خاصة وعن عائشة Bها قالت : رميت بما رميت به وأنا غافلة فبلغني بعد ذلك قالت : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم جالس عندي إذ أوحي إليه قالت : إذا أوحي إليه أخذه كهيئة السبات وأنه أوحي إليه وهو جالس عندي ثم استوى جالسا يمسح على وجهه وقال : " يا عائشة أبشري " قالت فقلت : بحمد الله لا بحمدك فقرأ : { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات - حتى بلغ - أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } ( أخرجه ابن جرير ) وقال الضحاك : المراد بها أزواج النبي خاصة دون غيرهن من النساء وقال العوفي عن ابن عباس في الآية { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } الآية : يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم رماهن أهل النفاق فأوجب الله لهم اللعنة والغضب وباؤوا بسخط من الله فكان ذلك في أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم ثم نزل بعد ذلك : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء - إلى قوله - فإن الله غفور رحيم } فأنزل الله الجلد والتوبة فالتوبة تقبل والشهادة ترد .
وقال ابن جرير : فسر ابن عباس سورة النور فلما أتى على هذه الآية { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } الآية قال : في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلّم وهي مبهمة ( قوله وهي مبهمة : أي عامة في تحريم قذف كل محصنة ) وليست لهم توبة ثم قرأ : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء - إلى قوله - إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } الآية قال : فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لمن قذف أولئك توبة قال فهم بعض القوم أن يقوم إليه فيقبل رأسه من حسن ما فسر به سورة النور وقد اختار ابن جرير عمومها وهو الصحيح ويعضد العموم ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال : " الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " ( أخرجاه في الصحيحين ) . وقوله تعالى : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } عن ابن عباس قال : إنهم يعني المشركين إذا رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة قالوا : تعالوا حتى نجحد فيجحدون فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم ولا يكتمون الله حديثا .
وروى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلّم فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال : " أتدرون مم أضحك ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم قال : " من مجادلة العبد ربه يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى فيقول : لا أجيز علي شاهدا إلا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام عليك شهودا فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطق بعمله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل " ( ورواه مسلم والنسائي ) . وقال قتادة : ابن آدم والله إن عليك لشهودا غير متهمة من بدنك فراقبهم واتق الله في سرك وعلانيتك فإنه لا يخفى عليه خافية الظلمة عنده ضوء والسر عنده علانية فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل ولا قوة إلا بالله . وقوله تعالى : { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } قال ابن عباس { دينهم } : أي حسابهم وكذا قال غير واحد وقوله : { ويعلمون أن الله هو الحق المبين } أي وعده ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه