63 - وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما .
- 64 - والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما .
- 65 - والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما .
- 66 - إنها ساءت مستقرا ومقاما .
- 67 - والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما .
هذه صفات عباد الله المؤمنين { الذين يمشون على الأرض هونا } أي بسكينة ووقار من غير تجبر ولا استكبار كقوله تعالى : { ولا تمش في الأرض مرحا } الآية . وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعا ورياء فقد كان سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلّم إذا مشى كأنما ينحط من صبب وكأنما الأرض تطوى له وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا قال : ما بالك أأنت مريض ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم منها فصلوا وما فاتكم فأتموا " وقوله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } أي إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيء لم يقابلوهم عليه بمثله بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلا خيرا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلما وكما قال تعالى : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } الآية وقال مجاهد { قالوا سلاما } : يعني قالوا سدادا وقال سعيد بن جبير : ردوا معروفا من القول وقال الحسن البصري : قالوا سلام عليكم إن جهل عليهم حلموا يصاحبون عباد الله نهارهم بما يسمعون ثم ذكر أن ليلهم خير ليل فقال تعالى : { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما } أي في طاعته وعبادته كما قال تعالى : { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون } وقوله : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } الآية وقال تعالى : { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه } الآية ولهذا قال تعالى : { والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما } أي ملازما دائما كما قال الشاعر : إن يعذب يكن غراما وإن يع ... ط جزيلا فإنه لا يبالي .
ولهذا قال الحسن في قوله { إن عذابها كان غراما } : كل شيء يصيب ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام وإنما الغرام اللازم ما دامت الأرض والسماوات . { إنها ساءت مستقرا ومقاما } أي بئس المنزل منزلا وبئس المقيل مقاما وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال : إن في النار لجبابا فيها حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال الدهم فإذا قذف بهم في النار خرجت إليهم من أوطانها فأخذت بشفاههم وأبشارهم وأشعارهم فكشطت لحومهم إلى أقدامهم فإذا وجدت حر النار رجعت . وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إن عبدا في جهنم لينادي ألف سنة : يا حنان يا منان فيقول الله D لجبريل اذهب فأتني بعبدي هذا فينطلق جبريل فيجد أهل النار مكبين يبكون فيرجع إلى ربه D فيخبره فيقول الله D : ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا فيجيء به فيوقفه على ربه D فيقول له : يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ فيقول : يا رب شر مكان وشر مقيل فيقول الله D : ردوا عبدي فيقول : يا رب ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها فيقول الله D : دعوا عبدي " ( أخرجه الإمام أحمد في المسند ) . وقوله تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } الآية أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم بل عدلا خيارا وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا { وكان بين ذلك قواما } كما قال تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } الآية . وفي الحديث : " من فقه الرجل قصده في معيشته " ( أخرجه الإمام أحمد أيضا ) وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما عال من اقتصد " وقال الحسن البصري : ليس في النفقة في سبيل الله سرف وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله تعالى فهو سرف وقال غيره : السرف النفقة في معصية الله D