38 - قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين .
- 39 - قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين .
- 40 - قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم .
قال محمد بن إسحاق : فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت : قد والله عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة وما نصنع بمكابرته شيئا وبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ فجعل في سبعة أبيات ثم أقفلت عليه الأبواب ثم قالت : لمن خلفت على سطلنها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي فلا يخلص إليه أحد من عباد الله ولا يرينه أحد حتى آتيك ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة حتى إذا دنت جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده فقال : { يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } . وقال قتادة : لما بلغ سليمان أنها جائية وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه وكان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وجوهر وكان مسترا بالديباج والحرير وكانت عليه تسعة مغاليق فكره أن يأخذه بعد إسلامهم وقد علم نبي الله أنهم متى أسلموا تحرم أموالهم ودمائهم فقال : { يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } وهكذا قال عطاء الخراساني والسدي { قبل أن يأتوني مسلمين } فتحرم علي أموالهم بإسلامهم { قال عفريت من الجن } أي مارد من الجن { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } قال ابن عباس : يعني قبل أن تقوم من مجلسك وقال مجاهد : مقعدك وقال السدي وغيره : كان يجلس للناس للقضاء والحكومات من أول النهار إلى أن تزول الشمس { وإني عليه لقوي أمين } قال ابن عباس : أي قوي على حمله { أمين } على مافيه من الجوهر فقال سليمان عليه السلام : أريد أعجل من ذلك ومن ههنا يظهر أن سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهب الله له من الملك وما سخر له من الجنود الذي لم يعطه أحد قبله ولا يكون لأحد من بعده وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها لأن هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه هذا وقد حجبته بالإغلاق والأقفال والحفظة فلما قال سليمان أريد أعجل من ذلك { قال الذي عنده علم من الكتاب } قال ابن عباس : وهو ( آصف ) كاتب سليمان عليه السلام .
وكذا روي عن يزيد بن رومان أنه ( آصف بن برخياء ) وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم وقال قتادة : كان مؤمنا من الإنس واسمه آصف ( وكذا قال أبو صالح والضحاك وزاد قتادة : كان مؤمنا من بني إسرائيل ) من بني إسرائيل وقوله : { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } أي ارفع بصرك وانظر فإنه لا يكل بصرك إلا وهو حاضر عندك وقال وهب بن منبه : أمدد بصرك فلا يبلغ مداه حتى آتيك به ثم قام فتوضأ ودعا الله تعالى قال مجاهد : قال يا ذا الجلال والإكرام . وقال الزهري قال : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها قال : فمثل بين يديه فلما عاين سليمان وملؤه ذلك ورآه مستقرا عنده { قال هذا من فضل ربي } أي هذا من نعم .
الله علي { ليبلوني } ليختبرني { أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه } كقوله : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } وكقوله : { ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون } وقوله : { ومن كفر فإن ربي غني كريم } أي هو غني عن العباد وعبادتهم كريم : أي كريم في نفسه وإن لم يعبده أحد فإن عظمته ليست مفتقرة إلى أحد وهذا كما قال موسى : { إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد } وفي صحيح مسلم : " يقول الله تعالى : يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "