62 - أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون .
ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد المرجو عند النوازل كما قال تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } وقال تعالى : { ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } وهكذا قال ههنا : { أم من يجيب المضطر إذا دعاه } أي من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه ؟ قال الإمام أحمد عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من هجيم ( قوله عن رجل من هجيم ورد اسم الرجل في رواية أخرى ذكرها الإمام أحمد وهو جابر بن سليم الهجيمي ) قال : قلت يا رسول الله إلام تدعو ؟ قال : " أدعو إلى الله وحده الذي إن مسك ضر فدعوته كشف عنك والذي إن أضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك والذي إن صابتك سنة فدعوته أنبت لك " قال : قلت أوصني قال : " لا تسبن أحدا ولا تزهدن في المعروف ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط إليه وجهك ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي واتزر إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة " وفي رواية أخرى لأحمد عن جابر بن سليم الهجيمي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو محتب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه فقلت : أيكم محمد رسول الله ؟ فأومأ بيده إلى نفسه فقلت : يا رسول الله أنا من أهل البادية وفي حفاؤهم فأوصني قال : " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإنه يكون لك أجره وعليه وزره وإياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ولا تسبن أحدا " قال : فما سببت بعده أحدا ولا شاة ولا بعيرا . وقال وهب بن منبه : قرأت في الكتاب الأول : إن الله تعالى يقول : بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السماوات بمن فيهن والأرض بمن فيها فإني أجعل .
له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلى نفسه .
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر ( محمد بن داود الدينوري ) المعروف بالدقي الصوفي قال هذا الرجل : كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني فركب معي ذات مرة رجل فمررنا على بعض الطريق على طريق غير مسلوكة فقال لي : خذ في هذه فإنها أقرب فقلت : لا خبرة لي فيها فقال : بل هي أقرب فسلكناها فانتهيا إلى مكان وعر وواد عميق وفيه قتلى كثيرة فقال لي : أمسك رأس البغل حتى أنزل فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه وسل سكينا معه وقصدني ففرت من بين يديه وتبعني فناشدته الله وقلت : خذ البغل بما عليه فقال : هو لي وإنما أريد قتلك فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل فاستسلمت بين يديه وقلت إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين فقال : عجل فقمت أصلي فأرتج علي القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد فبقيت واقفا متحيرا وهو يقول : هيه افرغ فأجرى الله على لساني قوله تعالى : { أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربة فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده فخر صريعا فتعلقت بالفارس وقلت : بالله من أنت ؟ فقال : أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء قال : فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما ( أخرج القصة ابن عساكر وذكر قصة أخرى مشابهة تدل على إكرام الله لأوليائه وعباده الصالحين قال صاحب الجوهرة : .
واثبتن للأولياء الكرامة ... ومن نفاها فانبذن كلامه ) .
وقوله تعالى : { ويجعلكم خلفاء الأرض } أي يخلف قرنا لقرن قبلهم وخلفا لسلف كما قال تعالى : { إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين } وقال تعالى : { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات } وهكذا هذه الآية : { ويجعلكم خلفاء الأرض } أي أمة بعد أمة وجيلا بعد جيل وقوما بعد قوم ولو شاء لأوجدهم كلهم في وقت واحد ولم يجعل بعضهم من ذرية بعض بل لو شاء لخلقهم كلهم أجمعين كما خلق آدم من تراب ولو شاء أن يجعلهم بعضهم من ذرية بعض ولكن لا يميت أحدا حتى تكون وفاة الجميع في وقت واحد لكانت تضيق عنهم الأرض وتضيق عليهم معايشهم وأكسابهم ويتضرر بعضهم ببعض ولكت اقتضت حكمته وقدرته أن يخلقهم من نفس واحدة ثم يكثرهم غاية الكثرة ويجعلهم أمما بعد أمم حتى ينقضي الأجل وتفرغ البرية كما قدر تبارك وتعالى وكما أحصاهم وعدهم عدا ثم يقيم القيامة ويوفي كل عامل عمله إذا بلغ الكتاب أجله ولهذا قال تعالى : { أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله } أي يقدر على ذلك أو أإله مع الله بعد هذا وقد علم أن الله هو المتفرد بفعل ذلك وحده لا شريك له ؟ { قليلا ما تذكرون } أي ما اقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم