56 - إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين .
- 57 - وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون .
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلّم : إنك يا محمد { لا تهدي من أحببت } أي ليس إليك ذلك إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء كما قال تعالى : { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } وقال تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } . وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في ( أبي طالب ) عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في صفه ويحبه حبا شديدا فلما حضرته الوفاة دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الإيمان والدخول في الإسلام فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة التامة روى الزهري عن المسيب بن حزن المخزومي Bه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجد عنده ( أبا جهل بن هشام ) و ( عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعرضها عليه ويعودان عليه بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى " وأنزل في أبي طالب : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } ( أخرجه البخاري ومسلم ) وعن أبي هريرة قال : لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : " يا عماه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " فقال : لولا أن تعيرني بها قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت لأقررت بها عينك لا أقولها إلا لأقر بها عينك فانزل الله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } ( أخرجه مسلم والترمذي ) .
وقوله تعالى : { وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } يقول تعالى مخبرا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : { إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ويتخطفونا أينما كنا قال الله تعالى مجيبا لهم : { أولم نمكن لهم حرما آمنا } يعني هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل لأن الله تعالى جعلهم في بلد أمين وحرم معظم آمن منذ وضع فكيف يكون هذا الحرم آمنا لهم في حال كفرهم وشركهم . ولا يكون آمنا وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟ وقوله تعالى : { يجبى إليه ثمرات كل شيء } أي من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره وكذلك المتاجر والأمتعة { رزقا من لدنا } أي من عندنا { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ولهذا قالوا ما قالوا