30 - فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
- 31 - منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين .
- 32 - من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون .
يقول تعالى : فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال ولازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيد وأنه لا إله غيره . وقوله تعالى : { لا تبديل لخلق الله } قال بعضهم : معناه لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم التي فطرهم الله عليها فيكون خبرا بمعنى الطلب كقوله تعالى : { ومن دخله كان آمنا } وهو معنى حسن صحيح وقال آخرون هو خبر على بابه ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة ولا تفاوت بين الناس في ذلك ولهذا قال ابن عباس { لا تبديل لخلق الله } أي لدين الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء " ثم يقول : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } ( أخرجه البخاري عن أبي هريرة ورواه أيضا مسلم ) . وروى الإمام أحمد عن الأسود بن سريع قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وغزوت معه فأصبت ظفرا . فقاتل الناس يؤمئذ حتى قتلوا الولدان فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : " ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية " ؟ فقال رجل : يا رسول الله أما هم أبناء المشركين ؟ فقال : " لا إنما خياركم أبناء المشركين ثم قال : لا تقتلوا ذرية لا تقتلوا ذرية وقال : كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها " ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده والنسائي في كتاب السير ) وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا " ( أخرجه أحمد عن جابر بن عبد الله مرفوعا ) .
وروى الإمام أحمد عن عياض بن حمار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطب ذات يوم فقال في خطبته : " إن ربي D أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا : كل مال نحلته عبادي حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ثم إن الله D نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتاب لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت : رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال : استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك . قال : وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مسقط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ورجل عفيف متعفف ذو عيال . قال : " وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر ( لازبر : بكسر الزاي وفتحها : أي لا عقل له ) له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلا ولا مالا والخائن الذي لايخفى له طمع - وإن دق - إلا خانه ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " وذكر البخيل والكذاب والشنظير ( أخرجه أحمد ومعنى الشنظير : السيء الخلق : البذيء اللسان ) الفحاش . وقوله تعالى : { ذلك دين القيم } أي التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القيم المستقيم { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي فلهذا لا يعرفه أكثر الناس فهم عنه ناكبون كما قال تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } وقال تعالى : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } الآية .
وقوله تعالى : { منيبين إليه } قال ابن جريح : أي راجعين إليه { واتقوه } أي خافوه وراقبوه { وأقيموا الصلاة } وهي الطاعة العظيمة { ولا تكونوا من المشركين } أي بل كونوا من الموحدين المخلصين له العبادة لا يريدون بها سواه قال ابن جرير : مر عمر Bه بمعاذ بن جبل فقال عمر : ما قوام هذه الأمة ؟ قال معاذ : ثلاث وهن المنجيات : الإخلاص وهي الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها والصلاة وهي الملة والطاعة وهي العصمة فقال عمر صدقت . وقوله تعالى : { من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون } أي لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وسائر أهل الأديان الباطلة مما عدا أهل الإسلام كما قال تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله } الآية فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء باطلة وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء وهذه الأمة أيضا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة وهم أهل السنة والجماعة المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه كما رواه الحاكم في مستدركه أنه : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الفرقة الناجية منهم قال : " من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي "