9 - والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور .
- 10 - من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور .
- 11 - والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير .
كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها { اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج } كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها أنزل من تحت العرش مطرا يعم الأرض جميعا ونبتت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض ولهذا جاء في الصحيح : " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب " ولهذا قال تعالى : { كذلك النشور } . وتقدم في الحج حديث أبي رزين قلت : يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ قال صلى الله عليه وسلّم : " يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا " قلت : بلى قال صلى الله عليه وسلّم : " فكذلك يحيي الله الموتى " وقوله تعالى : { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا } أي من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فإنه يحصل له مقصوده لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعا كما قال تعالى : { أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا } وقال D : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } قال مجاهد : { من كان يريد العزة } بعبادة الأوثان { فلله العزة جميعا } وقال قتادة : { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا } أي فليتعزز بطاعة الله D وقوله تبارك وتعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب } يعني الذكر والتلاوة والدعاء روى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود Bه قال : إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى إن العبد المسلم إذا قال : سبحان الله وبحمده والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تبارك الله أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الله D ثم قرأ عبد الله Bه : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } . وقال كعب الأحبار : إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لدويا حول العرش كدوي النحل يذكرن لصاحبهن والعمل الصالح في الخزائن .
وقوله تعالى : { والعمل الصالح يرفعه } قال ابن عباس : الكلم الطيب ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله D والعمل الصالح أداء الفريضة فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله D ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به وكذا قال مجاهد : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب وقال إياس بن معاوية : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام وقال الحسن وقتادة : لا يقبل قول إلا بعمل وقوله تعالى : { والذين يمكرون السيئات } قال مجاهد : هم المراؤون بأعمالهم يعني يمكرون بالناس يوهمون .
أنهم في طاعة الله تعالى وهم بغضاء إلى الله D يراؤون بأعمالهم { ولا يذكرون الله إلا قليلا } وقال ابن أسلم : هم المشركون والصحيح أنها عامة والمشركون داخلون بطريق الأولى ولهذا قال تعالى : { لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور } أي يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج لهم ذلك عليهم بل ينكشف لهم عن قريب وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية وقوله تبارك وتعالى : { والله خلقكم من تراب ثم من نطفة } أي ابتدأ خلق أبيكم آدم من تراب ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين { ثم جعلكم أزواجا } أي ذكرا وأنثى لطفا منه ورحمة أن جعل لكم أزواجا من جنسكم لتسكنوا إليها وقوله D : { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه } أي هو عالم بذلك لا يخفى عليه من ذلك شيء بل { ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } وقد تقدم الكلام على قوله تعالى : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار } وقوله D : { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } أي ما يعطى بعض النطف من العمر الطويل يعلمه وهو عنده في الكتاب الأول { وما ينقص من عمره } الضمير عائد على الجنس لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله تعالى لا ينقص من عمره وإنما عاد الضمير على الجنس . قال ابن جرير : وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه أي ونصف ثوب آخر .
وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره } الآية يقول : ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت ذلك له فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له فذلك قوله تعالى : { ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير } يقول : كل ذلك في كتاب عنده وقال زيد بن أسلم { ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } قال : ما لفظت الأرحام من الأولاد من غير تمام . وقال عبد الرحمن في تفسيرها : ألا ترى الناس يعيش الإنسان مائة سنة وآخر يموت حين يولد فهذا هذا . وقال قتادة : والذي ينقص من عمره فالذي يموت قبل ستين سنة . وقال مجاهد { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } أي في بطن أمه يكتب له ذلك لم يخلق الخلق على عمر واحد بل لهذا عمر ولهذا عمر فكل ذلك مكتوب لصاحبه بالغ ما بلغ وقال بعضهم : بل معناه { وما يعمر من معمر } أي ما يكتب من الأجل { ولا ينقص من عمره } وهو ذهابه قليلا قليلا الجميع معلوم عند الله تعالى سنة بعد سنة وشهرا بعد شهر وجمعة بعد جمعة وساعة بعد ساعة الجميع مكتوب عند الله تعالى في كتابه نقله ابن جرير عن أبي مالك واختار ابن جرير الأول ويؤيده عن أنس بن مالك Bه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " ( رواه البخاري ومسلم والنسائي واللفظ له ) عن أبي الدرداء Bه قال : ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : " إن الله تعالى لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقه العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر " وقوله D : { إن ذلك على الله يسير } أي سهل عليه يسير لديه فإن عمله شامل للجميع لا يخفى عليه شيء منها