6 - اهدنا الصراط المستقيم .
لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة ولهذا أرشد الله إليه لأنه الأكمل .
والهداية ههنا : الإرشاد والتوفيق وقد تعدى بنفسها { اهدنا الصراط } وقد تعدى بإلى { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } وقد تعدى باللام { الحمد لله الذي هدانا لهذا } أي وفقنا وجعلنا له أهلا وأما { الصراط المستقيم } فهو في لغة العرب : الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه ثم تستعير العرب الصراط في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج واختلفت عبارات المفسرين من السلف الخلف في تفسير { الصراط } وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد وهو ( المتابعة لله وللرسول ) فروي أنه كتاب الله وقيل : إنه الإسلام قال ابن عباس : هو دين الله الذي لا اعوجاج فيه وقال ابن الحنفية : هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره وقد فسر الصراط بالإسلام في حديث ( النوالس بن سمعان ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : " ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا وداع يدعوا من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس لاصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم ( رواه أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان وأخرجه الترمذي والنسائي ) وقال مجاهد : الصراط المستقيم : الحق وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم قال ابن جرير C والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنيا به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وفق لما وفق له من أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فد وفق للإسلام .
( فإن قيل ) : فكيف يسال المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وهو متصف بذلك ؟ .
فالجواب : أن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها واستمراه عليها فارشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونه ولاثبات والتوفيق فقد أمر تعالى الذين آمنوا بالإيمان : { يا أيها الذين آمنوا أمنوا بالله ورسوله } والمراد الثبات والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم