4 - وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب .
- 5 - أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب .
- 6 - وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد .
- 7 - ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق .
- 8 - أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب .
- 9 - أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب .
- 10 - أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب .
- 11 - جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب .
يقول تعالى مخبرا عن المشركين في تعجبهم من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلّم بشيرا ونذيرا كما قال D : { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس } ؟ الآية وقال جل وعلا ههنا : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } أي بشر مثلهم وقال الكافرون { هذا ساحر كذاب ... أجعل الآلهة إلها واحدا } أي أزعم أم المعبود واحد لا إله إلا هو ؟ أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى وتعجبوا من ترك الشرك بالله فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلووبهم فلما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الآله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا : { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ... وانطلق الملأ منهم } وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين { امشوا } أي استمروا على دينكم { واصبروا على آلهتكم } ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد وقوله تعالى { إن هذا لشيء يراد } قال ابن جرير : إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلّم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه .
( ذكر سبب نزول هذه الآيات الكريمات ) .
روى ابن جرير عن ابن عباس Bهما قال : لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم ( أبو جهل ) فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلّم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل قال : فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم مجلسا قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب : أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ؟ قال : وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : " يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية " ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم : كلمة واحدة نعم وأبيك عشرا ( أي نعطيك بدل الكلمة الواحدة عشر كلمات ) فقالوا : وما هي ؟ وقال أبو طالب : وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال صلى .
الله عليه وسلم : " لا إله إلا الله " فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } ونزلت من هذا الموضع إلى قوله : { بل لما يذوقوا عذاب } ( أخرجه ابن جرير ورواه أحمد والنسائي والترمذي عن ابن عباس Bهما ) .
وقولهم : { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة } أي ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الآخرة قال مجاهد وقتادة : يعنون دين قريش وقال السدي : يعنون النصرانية وقال ابن عباس : { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة } يعني دين النصرانية قالوا : لو كان هذا القرآن حقا لأخبرتنا به النصارى { إن هذا إلا اختلاق } قال مجاهد : كذب وقال ابن عباس : تخرص وقولهم : { أأنزل عليه الذكر من بيننا } يعني أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كما قال في الآية الأخرى : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } ولهذا لما قالوا هذا الذي دل على جهلهم وقلة عقلهم في استبعادهم إنزال القرآن على الرسول من بينهم قال الله تعالى : { بل لما يذوقوا عذاب } أي إنما يقولون هذا لأنهم ما ذاقوا عذاب الله تعالى ونقمته وسيعلمون غب ما قالوا وما كذبوا به .
ثم قال تعالى مبينا أنه المتصرف في ملكه الفعال لما يشاء الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده وأن العباد لا يملكون شيئا من الأمر وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة ولهذا قال تعالى منكرا عليهم : { أم عندهم .
خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب } أي العزيز الذي لا يرام جنابه الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى : { أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ... أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } الآية كما أخبر D عن قوم صالح عليه السلام حين قالوا : { أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر ... سيعلمون غدا من الكذاب الأشر } وقوله تعالى : { أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب } أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في الأسباب قال ابن عباس : يعني طرق السماء وقال الضحاك : فليصعدوا إلى السماء السابعة ثم قال D : { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب } أي هؤلاء الجند المكذبون سيهزمون ويغلبون ويكبتون كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين وهذه الآية كقوله جلت عظمته : { أم يقولون نحن جميع منتصر ... سيهزم الجمع ويولون الدبر } كان ذلك يوم بدر { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر }