243 - ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .
- 244 - وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم .
- 245 - من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون .
روي عن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه كانوا ثمانية آلاف وقال وهب بن منبه : كانوا بضعة وثلاثين ألفا قال ابن عباس : كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون قالوا : نأتي أرضا ليس بها موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم : { موتوا } فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم فذلك قوله D : { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } الآية وذكر غير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباء شديد فخرجوا فرارا من الموت هاربين إلى البرية فنزلوا واديا أفيح فملأوا ما بين عدوتيه فأرسل الله إليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادي والآخر من أعلاه فصاحا بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد فحيزوا إلى حظائر وبني عليهم جدران وفنوا وتمزقوا وتفرقوا فلما كان بعد دهر مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له ( حزقيل ) فسأله الله أن يحييهم على يديه فأجابه إلى ذلك وأمره أن يقول : أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض ثم أمره فنادى : أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما وعصبا وجلدا فكان ذلك وهو يشاهد ثم أمره فنادى : أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره فقاموا أحياء ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة وهم يقولون : سبحانك لا إله إلا أنت وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة ولهذا قال : { إن الله لذو فضل على الناس } أي فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة والدلالات الدامغة { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } أي لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم .
وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه فإن هؤلاء خرجوا فرارا من الوباء طلبا لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعا في آن واحد وقوله { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } أي كما أن الحذرلا يغني من القدر كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلا ولا يبعده بل الأجل المحتوم والرزق المقسوم مقدر مقنن لا يزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى : { قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } قال تعالى : { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } وروينا عن أمير الجيوش وسيف الله المسلول على أعدائه خالد بن الوليد Bه أنه قال وهو في سياق الموت : ( لقد شهدت كذا وكذا موقفا وما من عضو من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء ) يعني أنه يتألم لكونه ما مات قتيلا في الحرب ويتأسف على ذلك ويتألم أن يموت على فراشه .
وقوله تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة } يحث تعالى عباده على الإنفاق في سبيل الله وقد كرر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز في غير موضع وفي حديث النزول أنه يقول تعالى : " من يقرض غير عديم ولا ظلوم " وعن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له } قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله وإن الله D ليريد منا القرض ؟ قال : " نعم يا أبا الدحداح " قال : أرني يدك يا رسول الله قال فناوله يده قال : فإني قد أقرضت ربي D حائطي - قال : وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها - قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح قالت : لبيك قال : اخرجي فقد أقرضته ربي D ( رواه أبن أبي حاتم وأخرجه ابن مردويه عن عمر مرفوعا بنحوه ) وقوله : { قرضا حسنا } روي عن عمر وغيره من السلف هو النفقة في سبيل الله وقيل : هو النفقة على العيال وقيل : هو التسبيح والتقديس وقوله : { فيضاعفه له أضعافا كثيرة } كما قال تعالى : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء } الآية وسيأتي الكلام عليها . وعن ابن عمر قال لما نزلت : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل } إلى آخرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " رب زد أمتي " فنزلت : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة } قال : " رب زد أمتي " فنزلت : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ( رواه ابن أبي حاتم عن نافع عن ابن عمر ) فالكثير من الله لا يحصى وقوله : { والله يقبض ويبسط } أي أنفقوا ولا تبالوا فالله هو الرزاق يضيق على من يشاء من عباده في الرزق ويوسعه على آخرين له الحكمة والبالغة في ذلك { وإليه ترجعون } أي يوم القيامة