9 - بل هم في شك يلعبون .
- 10 - فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين .
- 11 - يغشى الناس هذا عذاب أليم .
- 12 - ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون .
- 13 - أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين .
- 14 - ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون .
- 15 - إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون .
- 16 - يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون .
يقول تعالى : بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون أي قد جاءهم الحق اليقين وهم يشكون فيه ويمترون ولا يصدقون به ثم قال D متوعدا لهم ومهددا : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } قال مسروق : دخلنا المسجد يعني مسجد الكوفة فإذا رجل يقص على أصحابه { يوم تأتي السماء بدخان مبين } تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام قال : فأتينا ابن مسعود Bه فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا ففزع منه فقعد وقال : إن الله D قال لنبيكم صلى الله عليه وسلّم : { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم : الله أعلم سأحدثكم عن ذلك : إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان وفي رواية : فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد قال الله تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ... يغشى الناس هذا عذاب أليم } فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقيل : يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت فاستسقى صلى الله عليه وسلّم لهم فسقوا فنزلت : { إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون } قال ابن مسعود Bه : أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة ؟ فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله D : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } قال : يعني يوم بدر . قال ابن مسعود Bه فقد مضى خمسة : الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام ( الحديث مخرج في الصحيحين ورواه أحمد والترمذي والنسائي ) . وقال آخرون : لم يمض الدخان بعد بل هو من أمارات الساعة كما تقدم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري Bه قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من عرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابن مريم والدجال وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس - أو تحشر الناس - تبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا " ( أخرجه مسلم في صحيحه من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري ) . وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لابن صياد : " إني خبأت لك خبأ " قال : هو الدخ ( الدخ والدخ : الدخان ) فقال صلى الله عليه وسلّم له : " إخسأ فلن تعدو قدرك " قال : وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } . وعن أبي مالك الأشعري Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إن ربكم أنذركم ثلاثا : الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه والثانية الدابة والثالثة الدجال " ( أخرجه ابن جرير ورواه الطبراني وإسناده جيد ) .
وعن أبي سعيد الخدري Bه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " يهيج الدخان بالناس فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه " وقال ابن أبي حاتم عن علي Bه قال : لم تمض آية الدخان بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وتنفخ الكافر حتى ينفذ وروى ابن جرير عن عبد الله ابن أبي مليكة قال : غدوت على ابن عباس Bهما ذات يوم فقال : ما نمت الليلة حتى أصبحت قلت : لم ؟ قال قالوا : طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس Bهما حبر الأمة وترجمان القرآن وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين Bهم أجمعين من الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن قال الله تبارك وتعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } أي بين واضح يراه كل أحد وعلى ما فسر به ابن مسعود Bه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد وهكذا قوله تعالى : { يغشى الناس } أي يتغشاهم ويعمهم ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه { يغشى الناس } وقوله تعالى : { هذا عذاب أليم } أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا كقوله D : { يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون } أو يقول بعضهم لبعض ذلك وقوله سبحانه وتعالى : { ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه عنهم كقوله جلت عظمته : { ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين } وكذا قوله جل وعلا : { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل } وهكذا قال جل وعلا ههنا { أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ... ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون } . يقول : كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولا بين الرسالة والنذارة ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه بل كذبوه وقالوا معلم مجنون وهذا كقوله جلت عظمته : { يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى } ؟ .
وقوله تعالى : { إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون } يحتمل معنيين : ( أحدهما ) : أنه يقول تعالى : ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى : { ولو رودوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } . ( والثاني ) : أن يكون المراد : إنا مؤخرو العذاب عنكم قليلا بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى : { إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه عليهم ولا يلزم أيضا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه قال الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه حين قالوا : { لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين ... قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها } وشعيب عليه السلام لم يكن قط على ملتهم وطريقتهم . وقال قتادة : إنكم عائدون إلى عذاب الله . وقوله D : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } : فسر ذلك ابن مسعود Bه بيوم بدر وروي أيضا عن ابن عباس Bهما وهو محتمل والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضا روى عكرمة عن ابن عباس Bهما قال قال ابن مسعود Bه { البطشة الكبرى } يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة . وهذا إسناد صحيح عن ابن عباس والله أعلم