17 - والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين .
- 18 - أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين .
- 19 - ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون .
- 20 - ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون .
لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما وما لهم عنده من الفوز والنجاة عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال : { والذي قال لوالديه أف لكما } وهذا عام في كل من قال هذا ومن زعم أنها نزلت في ( عبد الرحمن بن أبي بكر ) Bهما فقوله ضعيف لأن عبد الله بن أبي بكر Bهما أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق فقال لوالديه : أف لكما . روى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن المديني قال : إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال : إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر Bهما فقال عبد الرحمن بن أبي بكر Bهما : أهرقلية ؟ إن أبا بكر Bه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده فقال مروان : ألست الذي قال لوالديه : أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن Bه : ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أباك قال وقد سمعتهما عائشة Bها فقالت : يا مروان أنت القائل لعبد الرحمن Bه كذا وكذا ؟ كذبت ما فيه نزلت ولكن نزلت في فلان بن فلان ثن انتحب مروان ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها فجعل يكلمها حتى انصرف ( أخرجه ابن أبي حاتم ورواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر ) . وروى النسائي عن محمد بن زياد قال : قال لما بلغ معاوية Bه لابنه قال مروان : سنة أبي بكر وعمر Bهما فقال عبد الرحمن بن أبي بكر Bهما : سنة هرقل وقيصر فقال مروان : هذا الذي أنزل الله تعالى فيه : { والذي قال لوالديه أف لكما } فبلغ ذلك عائشة Bها فقالت : كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله ( أخرجه النسائي في سننه . ومعنى ( فضض ) : قطعة ) . وقوله : { أتعداني أن أخرج } ؟ أي أبعث { وقد خلت القرون من قبلي } أي قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر { وهما يستغيثان الله } أي يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما : { ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين } .
قال الله تعالى : { أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وقوله : { أولئك } بعد قوله { والذي قال } دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك وقال الحسن وقتادة : هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث وقوله تبارك وتعالى : { ولكل درجات مما عملوا } أي لكل عذاب بحسب عمله { وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون } أي لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها قال عبد الرحمن بن زيد : درجات النار تذهب سفالا ودرجات الجنة تذهب علوا وقوله D : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } أي يقال لهم ذلك تقريحا وتوبيخا وقد تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب Bه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب وتنزه عنها وقال : إني أخاف أن أكون من الذين قال الله لهم : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } وقوله D : { فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون } جوزوا من جنس عملهم فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق وتعاطوا الفسق والمعاصي جازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك كله