25 - هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما .
- 26 - إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما .
يقول تعالى مخبرا عن الكفار ومشركي العرب من قريش ومن مالأهم على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم : { هم الذين كفروا } أي هم الكفار دون غيرهم { وصدوكم عن المسجد الحرام } أي وأنتم أحق به وأنتم أهله في نفس الأمر { والهدي معكوفا أن يبلغ محله } أي وصدوا الهدي أن يصل إلى محله وهذا من بغيهم وعنادهم وكان الهدي سبعين بدنة وقوله D : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } أي بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم لكنا سلطانكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل ولهذا قال تعالى : { لم تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة } أي إثم وغرامة { بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء } أي يؤخر .
عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين وليرجع كثير منهم إلى الإسلام ثم قال تبارك وتعالى : { لو تزيلوا } أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم { لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } أي لسلطناكم عليهم فقتلتموهم قتلا ذريعا . عن جنيد بن سبيع قال : " قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أول النهار كافرا وقاتلت معه آخر النهار مسلما وفينا نزلت : { ولولا رجال مؤمنون ومؤمنات } قال : كنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين " ( أخرجه الحافظ الطبراني قال ابن كثير : الصواب عن حبيب بن سباع ) . وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس Bهما في قوله تعالى : { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } يقول : لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذابا أليما بقتلهم إياهم وقوله D : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية } وذلك حين أبوا أن يكتبوا : بسم الله الرحمن الرحيم وأبوا أن يكتبوا : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى } وهي قول : لا إله إلا الله كما قال ابن جرير عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : { وألزمهم كلمة التقوى } قال : " لا إله إلا الله " ( أخرجه ابن جرير ورواه الترمذي وقال : حديث غريب ) وقال ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب إن أبا هريرة Bه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله D " وأنزل الله D في كتابه وذكر قوما فقال : { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } وقال الله جل ثناؤه : { وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها } وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية فكاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قضية المدة ( أخرجه ابن أبي حاتم قال ابن كثير : ورواه بهذه الزيادات ابن جرير والظاهر أنها مدرجة من كلام الزهري ) وقال مجاهد : كلمة التقوى الاخلاص وقال عطاء : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير وقال علي Bه : { وألزمهم كلمة التقوى } قال : لا إله إلا الله والله أكبر وقال ابن عباس { وألزمهم كلمة التقوى } يقول شهادة أن لا إله إلا الله وهي رأس كل تقوى وقال سعيد بن جبير : { وألزمهم كلمة التقوى } لا إله إلا الله والجهاد في سبيله { وكانوا أحق بها وأهلها } كان المسلمون أحق بها وكانوا أهلها { وكان الله بكل شيء عليما } أي هو عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر .
( ذكر الأحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح ) .
روى الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم Bهما قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة عن عشرة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل قد لبست جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليها عنوة أبدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله تعالى دخلوا في الإسلام وهم وافرون وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فماذا تظن قريش ؟ فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهرني الله D أو تنفرد هذه السالفة " ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة قال : فسلك بالجيش تلك الطريق فلما رأت خيل قريش فترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس : خلأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما خلأت " وما ذلك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها " ثم قال صلى الله عليه وسلّم للناس : " انزلوا " قالوا : يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه فيه فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا ( بديل بن ورقاء ) في رجال من خزاعة فقال لهم .
كقوله لبشر بن سفيان فرجعوا إلى قريش فقالوا : يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد صلى الله عليه وسلّم إن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحقه فاتهموهم ( هذا جزء لحديث طويل أخرجه الإمام أحمد وعبد الرزاق وقد اقتصرنا على هذا القدر لنذكر رواية البخاري C ) .
وروى البخاري C في صحيحه عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا : خرج رسول الله A من الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا من خزاعة وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال : إن قريشا قد جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك فقال A : " أشيروا أيها الناس علي أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه " ؟ فقال أبو بكر Bه : يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه فقال النبي A : " فامضوا على اسم الله تعالى " حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي A : " إن خالد بن الوليد في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي A حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقالت الناس : حل حل فألحت فقالوا : خلأت القصواء خلأت القصواء فقال النبي A : " ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل " ثم قال A : " والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها " ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبث الناس حتى نزحوه وشكي إلى رسول الله A العطش فانتزع A من كنانته سهما ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينما هم كذلك إذ جاء ( بديل بن ورقاء ) الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عبية نصح رسول الله A من أهل تهامة فقال : إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا عدا مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي A : " إنا لم نجيء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد حموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره " قال بديل : سأبلغهم ما تقول .
فانطلق حتى أتى قريشا فقال : إنا قد جئنا من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته يقول قال : سمعته يقول : كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله A فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم : ألستم بالوالد ؟ قالوا : بلى قال : وألست بالولد ؟ قالوا : بلى قال : فهل تتهمونني ؟ قالوا : لا قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا : بلى قال : فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته قالوا : ائته فأتاه فجعل يكلم النبي A فقال النبي A له نحوا من قوله لبديل بن ورقاء فقال عروة عند ذلك : أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك ؟ وإن تك الأخرى فإني والله لأرى وجوها وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر Bه : امصص بظر اللات أنحن نفر وندعه ؟ قال : من ذا ؟ قالوا : أبا بكر قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك . قال : وجعل يكلم النبي A فلما .
كلمه أخذ بلحيته A والمغيرة بن شعبة Bه قائم على رأس النبي A ومعه السيف وعليه المغفر وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى .
الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال : أخر يدك عن لحية رسول الله A . فرفع عروة رأسه وقال : من هذا ؟ قال : المغيرة بن شعبة قال : أي غدر ألست أسعى في غدرتك ؟ - وكان المغيرة بن شعبة Bه صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم - فقال النبي A : " أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء " ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي A بعينيه قال : فوالله ما تنخم رسول الله A نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له A فرجع عروة إلى أصحابه . فقال : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل منهم من بني كنانة : دعوني آته فقالوا : ائته فلما أشرف على النبي A وأصحابه Bهم قال النبي A : " هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له " فبعثت له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال : رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال : دعوني آته فقالوا : ائته فلما أشرف عليهم قال النبي A : " هذا مكرز وهو رجل فاجر " فجعل يكلم النبي A فبينما هو يكلم إذ جاءه سهيل بن عمرو وقال معمر : أخبرني أيوب عن عكرمة أنه قال : لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي A : " قد سهل لكم من أمركم " . قال معمر قال الزهري في حديثه : فجاء سهيل بن عمرو فقال : هات اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا النبي A بعلي Bه وقال : " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل بن عمرو : أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب : باسمك اللهم كذا كنت تكتب فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي A : " اكتب باسمك اللهم " ثم قال : " هذا ما قضى عليه محمد رسول الله " فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب : محمد بن عبد الله فقال النبي A : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب : محمد ابن عبد الله " .
( يتبع . . . )