6 - يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين .
- 7 - واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون .
- 8 - فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم .
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له وقد نهى الله D عن اتباع سبيل المفسدين ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر وقبلها آخرون وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في ( الوليد بن عقبة بن أبي معيط ) حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلّم على صدقات بني المصطلق وقد روي ذلك من طرق : .
قال الإمام أحمد عن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي Bه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت : يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولا إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول ولم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى رسوله فدعا بسروات قومه فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلّم الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطه فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( الوليد بن عقبة ) إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق - أي خاف - فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبعث البعث إلى الحارث Bه وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا : هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم ؟ قالوا : إليك قال : ولم ؟ قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث إليك ( الوليد بن عقبة ) فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله قال Bه : لا والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلّم بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ " قال : لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلّم خشيت أن يكون كونت سخطة من الله تعالى ورسوله قال : فنزلت الحجرات : { يا أيها .
الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ - إلى قوله - حكيم } ( أخرجه الإمام أحمد وابن أبي حاتم والطبراني ) .
وروى ابن جرير عن أم سلمة Bها قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله A قالت فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله قالت فرجع إلى رسول الله A فقال : إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم فغضب رسول الله A والمسلمون قالت : فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله A فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا : نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصدقا فسررنا بذلك وقرت به عيننا ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله تعالى ومن رسوله A فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال Bه فأذن بصلاة العصر قالت : ونزلت : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } ؟ ( أخرجه ابن جرير من حديث أم سلمة ) .
وقال مجاهد وقتادة : أرسل رسول الله A ( الوليد بن عقبة ) إلى بني المصطلق ليصدقهم فتلقوه بالصدقة فرجع فقال : إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك زاد قتادة : وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام فبعث رسول الله A خالد بن الوليد Bه إليهم وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا . فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالدا Bه أنهم مستمسكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أتاهم خالد Bه فرأى الذي يعجبه فرجع إلى رسول الله A فأخبره الخبر فأنزل الله تعالى هذه الآية . وكذا ذكر غير واحد من السلف أنها نزلت في ( الوليد بن عقبة ) والله أعلم .
وقوله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله } أي اعلموا أن بين أظهركم رسول الله فعظموه ووقروه وتأدبوا معه وانقادوا لأمره فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم كما قال سبحانه : { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } وقوله D : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } أي حببه إلى نفوسكم وحسنه في قلوبكم وعن أنس Bه قال : كان رسول الله A يقول : " الإسلام علانية والإيمان في القلب " ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ثم يقول : " التقوى ههنا التقوى ههنا " ( أخرجه الإمام أحمد ) { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } أي وبغض إليكم الكفر والفسوق وهي الذنوب الكبار والعصيان وهي جميع المعاصي وهذا تدريج لكمال النعمة وقوله تعالى : { أولئك هم الراشدون } أي المتصفون بهذه الصفة هم الراشدون الذين قد آتاهم الله رشدهم عن أبي رفاعة الزرقي عن أبيه قال : لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله A : " استووا حتى أثني على ربي D " فصاروا خلفه صفوفا فقال A : " اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول اللهم أسألك النعيم يوم العيلة والأمن يوم الخوف اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا اللهم حبب .
إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق " ( أخرجه الإمام أحمد والنسائي ) . وفي الحديث المرفوع : " من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " ثم قال : { فضلا من الله ونعمة } أي هذا العطاء الذي منحكموه هو فضل منه عليكم ونعمة من لدنه { والله عليم حكيم } أي عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره