13 - ثلة من الأولين .
- 14 - وقليل من الآخرين .
- 15 - على سرر موضونة .
- 16 - متكئين عليها متقابلين .
- 17 - يطوف عليهم ولدان مخلدون .
- 18 - بأكواب وأباريق وكأس من معين .
- 19 - لا يصدعون عنها ولا ينزفون .
- 20 - وفاكهة مما يتخيرون .
- 21 - ولحم طير مما يشتهون .
- 22 - وحور عين .
- 23 - كأمثال اللؤلؤ المكنون .
- 24 - جزاء بما كانوا يعملون .
- 25 - لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما .
- 26 - إلا قيلا سلاما سلاما .
يقول تعالى مخبرا عن هؤلاء السابقين المقربين أنهم { ثلة } أي جماعة من الأولين وقليل من الآخرين : وقد اختلفوا في المراد بقوله الأولين والآخرين فقيل : المراد بالأولين الأمم الماضية وبالأخرين هذه الأمة وهو اختيار ابن جرير واستأنس بقوله صلى الله عليه وسلّم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " ولم يحك غيره ومما يستأنس به لهذا القول ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : لما نزلت : { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين } شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم فنزلت : { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني " ( أخرجه ابن أبي حاتم والإمام أحمد ) . وهذا الذي اختاره ابن جرير فيه نظر بل هو قول ضعيف لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر الأمم والله أعلم فالقول الثاني في هذا المقام هو الراجح وهو أن يكون المراد بقوله تعالى : { ثلة من الأولين } أي من صدر هذه الأمة { وقليل من الآخرين } أي من هذه الأمة قال ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي بكر المزني : سمعت الحسن أتى على هذه الآية { والسابقون السابقون أولئك المقربون } فقال : أما السابقون فقد مضوا ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين ثم قرأ الحسن : { والسابقون السابقون ... أولئك المقربون في جنات النعيم ... ثلة من الأولين } قال : ثلة ممن مضى من هذه الأمة . وعن محمد بن سيرين أنه قال في هذاه الآية { ثلة من الأولين ... وقليل من الآخرين } قال : كانوا يقولون أو يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأمة . ولاشك أن أول كل أمة خير من آخرها فيحتمل أن تعم الآية جميع الأمم كل أمة بحسبها ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " ( أخرجه الشيخان ) الحديث بتمامه . فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم " مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره " ( أخرجه الإمام أحمد ) فهذا الحديث محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها والفضل للمتقدم وكذلك الزرع هو محتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني ولكن العمدة الكبرى على الأول واحتياج الزرع إليه آكد فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها ولهذا قال عليه السلام : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة " ( أخرجاه في الصحيحين ) .
وفي لفظ : " حتى يأتي أمر الله تعالى وهم كذلك " والغرض أن هذه الأمة أشرف من سائر الأمم والمقربون فيها أكثر من غيرها وأعلى منزلة لشرف دينها وعظم نبيها ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه أخبر أن في هذه الأمة سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وفي لفظ : " مع كل ألف سبعون ألفا - وفي آخر - مع كل واحد سبعون ألفا " وقد روى الحافظ الطبراني عن أبي مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " أما والذي نفسي بيده ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل الأسود زمرة جميعها يحيطون الأرض تقول الملائكة لما جاء مع محمد صلى الله عليه وسلّم أكثر مما جاء مع الأنبياء عليهم السلام " ( أخرجه الحافظ الطبراني ) . وقوله تعالى : { على سرر موضونة } قال ابن عباس : أي مرمولة بالذهب يعني منسوجة به ( وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك ) وقال السدي : مرمولة بالذهب واللؤلؤ وقال عكرمة : مشبكة بالدر والياقوت وقال ابن جرير : ومنه يسمى وضين الناقة الذي تحت بطنها وهو فعيل بمعنى مفعول لأنه مضفور وكذلك السرر في الجنة مضفورة بالذهب واللاليء .
وقوله تعالى : { متكئين عليها متقابلين } أي وجوه بعضهم إلى بعض ليس أحد وراء أحد { يطوف عليهم ولدان مخلدون } أي مخلدون على صفة واحدة لا يشيبون ولا يتغيرون { بأكواب وأباريق وكأس من معين } أما الأكواب فهي الكيزان التي لا خراطيم لها ولا آذان والأباريق التي جمعت الوصفين والكؤوس الهنابات والجميع من خمر من عين جارية معين ليس من أوعية تنقطع وتفرغ بل من عيون سارحة وقوله تعالى : { لا يصدعون عنها ولا ينزفون } أي لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة وروى ابن عباس أنه قال : في الخمر أربع خصال : " السكر والصداع والقيء والبول " فذكر الله تعالى خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال وقال مجاهد وعكرمة { لا يصدعون عنها } يقول : ليس لهم فيها صداع رأس وقالوا في قوله { ولا ينزفون } أي لا تذهب بعقولهم وقوله تعالى : { وفاكهة مما يتخيرون ... ولحم طير مما يشتهون } أي ويطوفون عليهم بما يتخيرون من الثمار وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها روى الطبراني عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " ( أخرجه الحافظ الطبراني ) وقوله تعالى : { ولحم طير مما يشتهون } عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إن طير الجنة كأمثال البخت يرعى في شجر الجنة " فقال أبو بكر : يا رسول الله إن هذه لطير ناعمة فقال : " آكلها أنعم منها - قالها ثلاثا - وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها " ( أخرجه الإمام أحمد ) . وقال قتادة في قوله تعالى : { ولحم طير مما يشتهون } وذكر لنا أن أبا بكر قال : يا رسول الله إني لأرى طيرها ناعما كأهلها ناعمون قال : " ومن يأكلها والله يا أبا بكر أنعم منها وإنها لأمثال البخت وإني لأحتسب على الله أن تأكل منها يا أبا بكر " . وروى أبو بكر بن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عن الكوثر فقال : " نهر أعطانيه ربي D في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها يعني كأعناق الجزر " فقال عمر : إنها لناعمة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " آكلها أنعم منها " ( أخرجه .
ابن أبي الدنيا ورواه الترمذي ) . وعن عبد الله بن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا " ( رواه ابن أبي حاتم ) . وقوله تعالى : { وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون } بالرفع وتقديره : ولهم فيها حور عين وقوله تعالى : { كأمثال اللؤلؤ المكنون } أي كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه كما تقدم { كأنهن بيض مكنون } ولهذا قال : { جزاء بما كانوا يعملون } أي هذا الذي أتحفناهم به مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل