7 - آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير .
- 8 - وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين .
- 9 - هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم .
- 10 - وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير .
- 11 - من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم .
أمر تبارك وتعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل وحث على الإنفاق { مما جعلكم مستخلفين فيه } أي مما هو معكم على سبيل العارية فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفكم فيه من المال في طاعته وقوله تعالى : { مما جعلكم مستخلفين فيه } فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفا عنك فلعل وارثك أن يطيع الله فيه فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك منك أو يعصي الله فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان . روى مسلم عن عبد الله بن الشخير قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول : " ألهاكم التكاثر يقول ابن آدم : مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ؟ أو لبست فأبليت ؟ أو تصدقت فأمضيت ؟ وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " ( أخرجه مسلم والإمام أحمد ) . وقوله تعالى : { فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير } ترغيب في الإيمان والإنفاق في الطاعة .
ثم قال تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم } ؟ أي : وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به وقد روينا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوما لأصحابه : " أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا ؟ " قالوا : الملائكة قال : " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ " قالوا : فالأنبياء قال : " وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ " قالوا : فنحن قال : " وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها " ( أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ) . وقوله تعالى : { وقد أخذ ميثاقكم } كما قال تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا } ويعني بذلك بيعة الرسول صلى الله عليه وسلّم وقوله تعالى : { هو الذي ينزل على عبده آيات بينات } أي حججا واضحات ودلائل باهرات وبراهين قاطعات { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } أي من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الهدى والإيمان { وإن الله بكم لرؤوف رحيم } أي في إنزاله الكتب وإرساله الرسل لهداية الناس ولما أمرهم أولا بالإيمان والانفاق ثم حثهم على الإيمان حثهم أيضا على الانفاق فقال : { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض } ؟ أي أنفقوا ولا تخشوا فقرا وإقلالا فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السماوات والأرض وهو القائل : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } فمن توكل على الله أنفق وعلم أن الله سيخلفه عليه وقوله تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله وذلك أنه قبل فتح مكة كان الحال شديدا فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ودخل الناس في دين الله أفواجا ولهذا قال تعالى : { أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } والجمهور على أن المراد بالفتح ههنا ( فتح مكة ) وعن الشعبي : أن المراد ( صلح الحديبية ) .
وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد عن أنس قال : كان بين ( خالد بن الوليد ) وبين ( عبد الرحمن بن عوف ) كلام فقال خالد لعبد الرحمن : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى الله عليه وسلّم فقال : " دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم " . ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد كان بين صلح الحديبية وفتح مكة . وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم " قلنا : من هم يا رسول الله قريش ؟ قال : " لا ولكن أهل اليمن لأنهم أرق أفئدة وألين قلوبا " وأشار بيده إلى اليمن فقال : " هم أهل اليمن ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية " فقلنا : يا رسول الله هم خير منا ؟ قال : " والذي نفسي بيده لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مد أحدكم ولا نصيفه " ثم جمع أصابعه ومد خنصره وقال : " ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة .
من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير } " ( أخرجه ابن جرير ) . وقوله تعالى : { وكلا وعد الله الحسنى } يعني المنفقين قبل الفتح وبعده كلهم لهم ثواب على ما عملوا وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } الآية وهكذا الحديث الذي في الصحيح : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " . فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه ولهذا قال تعالى : { والله بما تعملون خبير } أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن فعل ذلك بعد ذلك وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق وفي الحديث : " سبق درهم مائة ألف " . ولا شك أن الصديق أبا بكر Bه له الحظ الأوفر من هذه الآية فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله D ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها .
وقوله تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } قال عمر بن الخطاب : هو الإنفاق في سبيل الله وقيل : هو النفقة على العيال والصحيح أنه أعم من ذلك فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآية ولهذا قال تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له } كما قال في الآية الأخرى { أضعافا كثيرة وله أجر كريم } أي جزاء جميل ورزق باهر وهو الجنة يوم القيامة . عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له } قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض ؟ قال : " نعم يا أبا الدحداح " قال : أرني يدك يا رسول الله قال فناوله يده قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي وله حائط فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها قال فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح قالت : لبيك قال : اخرجي فقد أقرضته ربي D . وفي رواية أنها قالت له : ربح بيعك يا أبا الدحداح ونقلت منه متاعها وصبيانها وإن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح " ( أخرجه ابن أبي حاتم . معنى ( العذق ) : القنو من النخل والعنقود من العنب و ( رداح ) : ضخم مخصب )