16 - ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون .
- 17 - اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون .
يقول تعالى : أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه قال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين .
فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } الآية ( رواه ابن أبي حاتم ) . وعن ابن مسعود Bه قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } الآية إلا أربع سنين ( رواه مسلم والنسائي ) وقوله تعالى : { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم } نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى لما تطاول عليهم الأمد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فعند ذلك قست قلوبهم فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد { وكثير منهم فاسقون } أي في الأعمال فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة كما قال تعالى : { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه } أي فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه وتركوا الأعمال التي أمروا بها وارتكبوا ما نهوا عنه ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية .
روى أبو جعفر الطبري عن ابن مسعود قال : " إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم وقالوا : نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب فمن آمن به تركناه ومن كفر به قتلناه قال : فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل له : أتؤمن بهذا ؟ قال : " آمنت به ويومئ إلى القرن بين ثندوتيه ومالي لا اؤمن بهذا الكتاب ؟ فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن " ( أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود موقوفا ) وقوله تعالى : { اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون } فيه إشارة إلى أن الله يلين القلوب بعد قسوتها ويهدي الحيارى بعد ضلتها ويفرج الكروب بعد شدتها فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال والمضل لمن أراد بعد الكمال الذي هو لما يشاء فعال وهو الحكيم العدل في جميع الفعال اللطيف الخبير الكبير المتعال