بسم الله الرحمن الرحيم .
- 1 - يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل .
- 2 - إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون .
- 3 - لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير .
كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة ( حاطب بن أبي بلتعة ) وذلك أن حاطبا هذا كان رجلا من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد أمر النبي صلى الله عليه وسلّم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال : " اللهم عم عليهم خبرنا " فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلّم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا . روى الإمام أحمد عن علي Bه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنا والزبير والمقداد فقال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا : أخرجي الكتاب قالت : ما معي كتاب قلنا : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال : فأخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يا حاطب ما هذا ؟ " قال : لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إنه صدقكم " فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . ونزلت فيه : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } ( أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه ) . وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة . فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق } يعني المشركون والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله نهى الله أن يتخذوهم أولياء وأصدقاء وأخلاء كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم } وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وقوله تعالى : { لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا } الآية . وقال تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة } ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عذر حاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد .
وقوله تعالى : { يخرجون الرسول وإياكم } هذا مع ما قبله من التهييج على عدواتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ولهذا قال تعالى : { أن تؤمنوا بالله ربكم } أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى : { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } وكقوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } وقوله تعالى : { إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي } أي إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء إن كنت خرجتم مجاهدين في سبيلي فلا توالوا أعدائي وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقا عليكم وسخطا لدينكم وقوله تعالى : { تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } أي تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر { ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ... إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } أي لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من أذى ينالوكم به بالمقال والفعال { وودوا لو تكفرون } أي ويحرصون على أن لا تنالوا خيرا فعداوتهم لكم كامنة وظاهرة فكيف توالون مثل هؤلاء ؟ وهذا تهييج على عدواتهم أيضا وقوله تعالى : { لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير } أي قراباتكم لا تنفعكم عند الله إذا أراد الله بكم سوءا ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد