5 - وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون .
- 6 - سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين .
- 7 - هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون .
- 8 - يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون .
يقول تعالى مخبرا عن المنافقين عليهم لعائن الله أنهم { إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } أي صدوا وأعرضوا عما قيل لهم استكبارا عن ذلك واحتقارا لما قيل لهم ولهذا قال تعالى : { ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون } ثم جازاهم على ذلك فقال تعالى : { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين } . عن سفيان { لووا رؤوسهم } حول سفيان وجهه على يمينه ونظر بعينه شزرا ثم قال هو هذا ( رواه عنه ابن أبي حاتم ) وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في ( عبد الله بن أبي سلول ) كما سنورده قريبا إن شاء الله تعالى . قال قتادة والسدي : أنزلت هذه الأية في عبد الله بن أبي وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحدثه بحديث عنه وأمر شديد فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإذا هو يحلف بالله ويتبرأ من ذلك واقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعزلوه وأنزل الله فيه ما تسمعون وقيل لعدو الله : لو اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجعل يلوي رأسه أي لست فاعلا .
وقال أبو إسحاق في قصة بني المصطلق : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقيم هناك اقتتل على الماء ( جهجاه بن سعيد الغفاري ) وكان أجيرا لعمر بن الخطاب و ( سنان بن يزيد ) فقال سنان : يا معشر الأنصار وقال الجهجاه : يا معشر المهاجرين وزيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند ( عبد الله بن أبي ) فلما سمعها قال : قد ثاورونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من عنده من قومه وقال : هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم إلى غيرها فسمعها ( زيد بن أرقم ) Bه فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو غليم عنده عمر بن الخطاب Bه فأخبره الخبر فقال عمر Bه : يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمدا يقتل أصحابه لا ولكن ناد يا عمر : الرحيل " فلما بلغ عبد الله بن أبي أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتاه فاعتذر إليه وحلف بالله ما قال ما قال عليه ( زيد بن أرقم ) وكان عند قومه بمكان فقالوا : يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل وراح رسول الله صلى الله عليه وسلّم مهجرا في ساعة كان لا يروح فيها فلقيه ( أسيد بن الحضير ) Bه فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال : والله لقد رحت في ساعة مبكرة ما كنت تروح فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " أما بلغك ما قال صاحبك ابن ابي ؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل " قال : فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل ثم قال : ارفق به يا رسول الله فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فإنه ليرى أن قد سلبته ملكا فسار رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالناس حتى أمسوا وليلته حتى أصبحوا وصدر يومه حتى اشتد الضحى ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا ونزلت سورة المنافقين وقال الحافظ أبو بكر البيهقي عن جابر بن عبد الله يقول : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري : يا للأنصار وقال المهاجرين : يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما بال دعوى الجاهلية ؟ دعوها فإنها منتنة " وقال ( عبد الله بن أبي بن سلول ) وقد فعلوها : والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال جابر : وكان الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم كثر المهاجرون بعد ذلك فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " ( رواه البيهقي ورواه أحمد والبخاري ومسلم بنحوه ) . وروى الإمام أحمد عن زيد بن أرقم قال : كنت مع رسول الله A في غزوة تبوك فقال عبد الله بن أبي : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال فأتيت النبي A فأخبرته قال فحلف عبد الله بن أبي أنه لم يكن شيء من ذلك قال فلامني قومي وقالوا : ما أردت إلى هذا ؟ قال : فانطلقت فنمت كئيبا حزينا قال فأرسل إلي نبي الله A فقال : " إن الله قد أنزل عذرك وصدقك " قال فنزلت هذه الآية : { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } حتى بلغ { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } ( أخرجه الإمام أحمد ورواه البخاري عند هذه الآية ) .
طريق أخرى : قال الإمام أحمد C عن زيد بن أرقم قال : خرجت مع عمي في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمي فذكره عمي لرسول الله A فأرسل إلي رسول الله A فحدثته فأرسل إلى عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا فكذبني رسول الله A وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله قط وجلست في البيت فقال عمي : ما أردت إلا أن كذبك رسول الله A ومقتك قال حتى أنزل الله { إذا جاءك المنافقون } قال فبعث إلي رسول الله A فقرأها رسول الله A علي ثم قال : " إن الله قد صدقك " ( أخرجه الإمام أحمد ) . وقال محمد بن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله A فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله A : " بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا " ( رواه محمد بن إسحاق بن يسار ) وذكر عكرمة أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف ( عبد الله بن عبد الله ) على باب المدينة واستل سيفه فجعل الناس يمرون عليه .
فلما جاء أبوه ( عبد الله بن أبي ) قال له ابنه : وراءك فقال : مالك ويلك ؟ فقال : والله لا تجوز من ههنا حتى يأذن رسول الله A فإنه العزيز وأنت الذليل فلما جاء رسول الله A شكا إليه عبد الله بن أبي ابنه فقال ابنه عبد الله : والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له فأذنه له رسول الله A فقال : أما إذا أذن لك رسول الله A فجز الآن وقال الحميدي في مسنده : قال عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول لأبيه : والله لا تدخل المدينة أبدا حتى تقول رسول الله A الأعز وأنا الأذل قال : وجاء إلى النبي A فقال : يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل أبي فوالذي بعثل بالحق لئن شئت أو آتيك برأسه لأتيتك فإني أكره أن أرى قاتل أبي ( رواه الحميدي في مسنده )