6 - يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
- 7 - يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون .
- 8 - يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير .
قال علي Bه في قوله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } يقول أدبوهم وعلموهم وقال ابن عباس : اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار وقال مجاهد : اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله وقال قتادة : تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتساعدهم عليه فإذا رأيت معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها وقال الضحاك : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه وفي معنى هذه الآية الحديث الشريف : " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " ( أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي ) قال الفقهاء : وهكذا في الصوم ليكون ذلك تمرينا له على العبادة لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر وقوله تعالى : { وقودها الناس والحجارة } وقودها : أي حطبها الذي يلقى فيها جثث بني آدم { والحجارة } قيل : المراد بها الأصنام التي تعبد لقوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } وقال ابن مسعود ومجاهد : هي حجارة من كبريت أنتن من الجيفة وقوله تعالى : { عليها ملائكة غلاظ شداد } أي طباعهم غليظة قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله { شداد } أي تركبيهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج كما روى ابن حاتم عن عكرمة أنه قال : إذا وصل أول أهل النار إلى النار وجدوا على الباب أربعمائة ألف من خزنة جهنم سود وجوههم كالحة أنيابهم قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة لو طير الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر ثم يجدون على الباب التسعة عشر عرض صدر أحدهم سبعون خريفا ثم يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول حتى ينتهوا إلى آخرها ( أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة موقوفا ) وقوله : { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } أي مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه لا يتأخرون عنه طرفة عين وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه وهؤلاء هم الزبانية .
وقوله تعالى : { يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون } أي يقال للكفرة يوم القيامة لا تعتذروا فإنه لا يقبل منكم وإنما تجزون اليوم بأعمالكم ثم قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا } أي توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات قال عمر ( التوبة النصوح ) أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه وقال أبو الأحوص : سئل عمر عن التوبة النصوح فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيء ثم لا يعود إليه أبدا وقال ابن مسعود { توبة نصوحا } قال : يتوب ثم لا يعود ولهذا قال العلماء : التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه وفي الحديث الصحيح : " الندم توبة " ( أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود مرفوعا ) وعن أبي بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة : منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح الرجل الرجل وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا قال زر : فقلت لأبي بن كعب : فما التوبة النصوح ؟ فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال : " هو الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود إليه أبدا " ( أخرجه ابن أبي حاتم ) . وقال الحسن : " التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه إذا ذكرته " فأما إذا جزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات كما ثبت في الصحيح : " الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها " وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلى الممات - كما تقدم في الحديث وفي الأثر - ثم لا يعود فيه أبدا أو يكفي العزم على أن لا يعود في تكفير الماضي بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارا في تكفير ما تقدم لعموم قوله عليه السلام : " التوبة تجب ما قبلها " ؟ وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضا : " من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء بالإسلام أخذ بالأول والآخر " فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة فالتوبة بطريق الأولى والله أعلم .
وقوله تعالى : { عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار } وعسى من الله موجبة { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } أي ولا يخزيهم معه يعني يوم القيامة { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } كما تقدم في سورة الحديد : { يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير } قال مجاهد والضحاك : هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفئ . روى الإمام أحمد عن يحيى بن غسان عن رجل من بني كنانة قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم عام الفتح فسمعته يقول : " اللهم لا تخزني يوم القيامة " ( رواه الإمام أحمد ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بني الأمم وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " فقال رجل : يا رسول الله : وكيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟ قال : " غر محجلون من آثار الطهور ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " ( رواه محمد بن نصر المروزي عن أبي ذر وأبي الدرداء )