285 - آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير .
- 286 - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين .
( ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الآيتين الكريمتين نفعنا الله بهما ) .
( الحديث الأول ) : قال البخاري عن ابن مسعود قال قال رسول الله : " من قرأ بالآيتين - من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " .
( الحديث الثاني ) قال الإام أحمد عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي " .
( الحديث الثالث ) : قال مسلم عن الزبير بن عدي عن طلحة عن مرة عن عبد الله قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلّم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها قال : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } قال : فراش من ذهب قال : وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات .
( الحديث الرابع } : قال أحمد عن عقبة بن عامر الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فإني أعطيتهما من كنز تحت العرش " .
( الحديث الخامس ) : قال ابن مردويه عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " فضلنا على الناس بثلاث أوتيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش لم يعطها أحد قبلي ولا يعطاها أحد بعدي " الحديث .
( الحديث السادس ) قال ابن مردويه عن الحارث عن علي قال : لا أرى أحدا عقل الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة فإنها من كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلّم من تحت العرش .
( الحديث السابع ) قال الترمذي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ولا يقرأ بهن في دار ثلاث ليلا فيقر بها شيطان " ثم قال هذا حديث غريب .
( الحديث الثامن } : قال ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قرأ آخر سورة البقرة وآية الكرسي ضحك وقال : " إنهما من كنز الرحمن تحت العرش " وإذا قرأ : { ومن يعمل سوءا يجز به } { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى } استرجع واستكان .
( الحديث التاسع ) قال ابن مردويه عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم " أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفصل نافلة " .
( الحديث العاشر ) : قد تقدم في فضائل الفاتحة عن ابن عباس قال : ( بينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعنده جبريل إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال : هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال له : ابشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلأ أوتيته ) رواه مسلم والنسائي .
فقوله تعالى : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلّم بذلك . روى الحاكم في مستدركه عن أنس بن مالك قال : لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلّم : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } قال النبي صلى الله عليه وسلّم " حق له أن يؤمن " ثم قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقوله تعالى : { والمؤمنون } عطف على الرسول ثم أخبر عن الجميع فقال : { كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد فرد صمد لا إله غيره ولا رب سواه ويصدقون بجميع الانبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببععض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بع بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد A خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تقوم الساعة على شريعته ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين وقوله : { وقالوا سمعنا وأطعنا } أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه { غفرانك ربنا } سؤال للمغفرة والرحمة واللطف .
قال ابن جرير : لما نزلت على رسول الله A : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } قال جبريل : إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } إلى آخر الآية وقوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } أي لا يكلف أحدا فوق طاقته وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } أي هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها فهذا لا يكلف به الإنسان وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان وقوله : { لها ما كسبت } أي من خير { وعليها ما اكتسبت } أي من شر وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف ثم قال تعالى مرشدا عباده إلى سؤاله وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا : { بنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } أي إن تركنا فرضنا على جهة النسيان أو فعلنا حراما كذلك أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلا منه بوجهه الشرعي . وعن ابن عباس قال قال رسول الله A : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ( رواه ابن ماجه وابن حبان ) وعن أم الدرداء عن النبي A قال : " إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : الخطأ والنسيان والاستكراه " . قال أبو بكر فذكرت ذلك للحسن فقال : أجل أما تقرأ بذلك قرآنا : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( رواه ابن أبي حاتم ) .
وقوله تعالى : { ربنا لوا تحمل علينا إصرا كما حملت على الذين من قبلنا } أي لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية قلنا من الأغلال والآصار التي كانت عليهم التي بعثت نبيك محمدا A نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيفي السهل السمح . وجاء في الحديث من طرق عن رسول الله A أنه قال : " بعثت بالحنيفية السمحة " .
وقوله تعالى : { بنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } أي من التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلينا بما لا قبل لنا به وقد قال مكحول في قوله : { ربنا لوا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال : العزبة والغلمة .
وقوله تعالى : { واعف عنا } أي فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا { واغفر لنا } أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة { وارحمنا } أي فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر ولهذا قالوا : إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء : أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره .
وقوله تعالى : { أنت مولانا } أي أنت ولينا وناصرنا وعليك توكلنا وأنت المستعان وعليك التكلان ولا حول لنا ولا قوة إلا بك { فانصرنا على القوم الكافرين } أي الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك فانصرنا عليهم .
قال ابن جرير عن أبي إسحاق : إن معاذا Bه كان إذا فرغ من هذه السورة { وانصرنا على القوم الكافرين } قال : آمين