4 - إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا .
- 5 - إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا .
- 6 - عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا .
- 7 - يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا .
- 8 - ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا .
- 9 - إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا .
- 10 - إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا .
- 11 - فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا .
- 12 - وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا .
يخبرتعالى عما أرصده للكافرين من خلقه من السلاسل والأغلال والسعير وهو اللهب والحريق في نار جهنم كما قال تعالى : { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ... في الحميم ثم في النار يسجرون } ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده : { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا } وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة قال الحسن : برد الكافور في طيب الزنجبيل ولهذا قال : { عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا } أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويروون بها قال بعضهم : هذا الشراب في طيبه كالكافور وقال بعضهم : هو من عين كافور وقوله تعالى : { يفجرونها تفجيرا } أي يتصرفون فيها حيث شاءوا وأين شاءوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم والتفجير هو الاتباع كما قال تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } وقال : { وفجرنا خلالهما نهرا } وقال مجاهد : { يفجرونها تفجيرا } يقودونها حيث شاءوا وقال الثوري : يصرفونها حيث شاءوا وقوله تعالى : { يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا } أي يتعبدون الله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر وفي الحديث : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ( أخرجه البخاري من حديث مالك ) ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي يكون { شره مستطيرا } أي منتشرا عاما على الناس إلا من رحم الله قال ابن عباس : فاشيا وقال قتادة : استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض .
وقوله تعالى : { ويطعمون الطعام على حبه } قيل : على حب الله تعالى لدلالة السياق عليه والأظهر أن الضمير عائد على الطعام أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له قاله مجاهد ومقاتل واختاره ابن جرير كقوله تعالى : { وآتى المال على حبه } وكقوله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وروى البيهقي عن نافع قال : مرض ابن عمر فاشتهى عنبا أول ما جاء العنب فأرسلت صفية يعني امرأته فاشترت عنقودا بدرهم فاتبع الرسول سائل فلما دخل به قال السائل : السائل فقال ابن عمر : أعطوه إياه فأعطوه إياه ( أخرجه البيهقي عن نافع وفيه أنها أرسلت بدرهم آخر فاشترت به فأعطاه للسائل ثم بدرهم ثالث ) وفي الصحيح : " أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر " أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه ولهذا قال تعالى : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما وأما الأسير فقال الحسن والضحاك : الأسير من أهل القبلة وقال ابن عباس : كان أسراؤهم يومئذ مشركين يشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغذاء وقال عكرمة : هم العبيد واختاره ابن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالإحسان إلى الأرقاء حتى كان آخر ما أوصى به أن جعل يقول : " الصلاة وما ملكت أيمانكم " قال مجاهد : هو المحبوس أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال : { إنما نطعمكم لوجه الله } أي رجاء ثواب الله ورضاه { لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس قال مجاهد : أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب { إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا } أي إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير قال ابن عباس : { عبوسا } ضيقا { قمطريرا } طويلا وقال عكرمة : يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران وقال مجاهد : { عبوسا } العابس الشفتين { قمطريرا } قال : يقبض الوجه باليسور وقال سعيد بن جبير وقتادة : تعبس فيه الوجوه من الهول { قمطريرا } تقلص الجبين وما بين العينين من الهول وقال ابن زيد : العبوس الشر والقمطرير الشديد وقال ابن جرير : والقمطرير هو الشديد يقال : هو يوم قمطرير ويوم قماطر ويوم عصيب وعصبصب .
قال الله تعالى : { فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا } وهذا من باب التجانس البليغ { فوقاهم الله شر ذلك اليوم } أي آمنهم مما خافوا منه { ولقاهم نضرة } أي في وجوههم { وسرورا } أي في قلوبهم وهذه كقوله تعالى : { وجوه يومئذ مسفرة ... ضاحكة مستبشرة } وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه . قال كعب بن مالك في حديثه الطويل : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر وقالت عائشة Bها : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم مسرورا تبرق أسارير وجهه " الحديث . وقوله تعالى : { وجزاهم بما صبروا } أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم { جنة وحريرا } أي منزلا رحبا وعيشا رغدا ولباسا حسنا