1 - الم .
- 2 - ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين .
{ الم } اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال : هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها حكاه القرطبي في تفسيره ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال بعضهم : هي أسماء السور قال الزمخشري : وعليه إطباق الأكثر وقيل : هي اسم من أسماء الله تعالى يفتتح بها السور فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته فالألف مفتاح اسم ( الله ) واللام مفتاح اسمه ( لطيف ) والميم مفتاح اسمه ( مجيد ) وقال آخرون : إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا ل ( إعجاز القرآن ) وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها حكاه الرازي عن المبرد وجمع من المحققين وحكاه القرطبي عن الفراء وقرره الزمخشري ونصره أتم نصر وإليه ذهب الإمام ( ابن تيمية ) وشيخنا الحافظ ( أبو الحجاج المزي ) .
قال الزمخشري : ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة وكرر التحدي الصريح في أماكن وجاء منها على حرف واحد مثل { ص } وحرفين مثل { حم } وثلاثة مثل { الم } وأربعة مثل { المص } وخمسة مثل { كهيعص } لأن أساليب كلامهم منها ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك .
قال ابن كثير : ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الإنتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالاستقراء في تسع وعشرين سورة مثل : { ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه } { الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق } { المص كتاب أنزل إليك } { الم كتاب أنزلناه إليك } { الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه } { حم تنزيل من الرحمن الرحيم } وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر .
{ ذلك الكتاب } قال ابن عباس : أي هذا الكتاب . والعرب تعارض بين أسمي الإشارة فيستعملون كلا منهما مكان الآخر وهذا معروف في كلامهم . والكتاب : القرآن ومن قال : إن المراد بذلك الإشارة إلى التوراة والإنجيل فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما لا علم له به . والريب : الشك أي لا شك فيه روي ذلك عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال ابن أبي حاتم : لا أعلم في هذا خلافا .
وقد يستعمل الريب في التهمة قال جميل : .
بثينة قالت : يا جميل أربتني ... فقلت : كلانا يا بثين مريب .
واستعمل أيضا في الحاجة كما قال بعضهم : .
قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم أجممنا السيوفا .
والمعنى : إن هذا الكتاب ( القرآن ) لا شك فيه أنه نزل من عند الله كما قال تعالى : { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } وقال بعضهم : هذا خبر ومعناه النهي أي لا ترتابوا فيه . وخصت الهداية للمتقين كما قال تعالى : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } وقال : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن لأنه هو في نفسه هدى ولكن لا يناله إلا الأرباب كما قال تعالى { وهدى ورحمة للمؤمنين } قال السدي : { هدى للمتقين } يعني نورا للمتقين وعن ابن عباس : المتقون هم المؤمنون الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعة الله وقال الحسن البصري : اتقوا ما حرم عليهم وأدوا ما افترض عليهم . وقال قتادة : هم الذين نعتهم الله بقوله : { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة } واختيار ابن جرير أن الأية تعم ذلك كله وهو كما قال . وفي الحديث الشريف : " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما بأس به حذرا مما به بأس " ( رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي : حسن غريب ) .
ويطلق الهدى ويراد به ما يقر في القلب من الإيمان وهذا لا يقد على خلقه في قلوب العباد إلا الله D قال تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت } وقال : { ليس عليك هداهم } وقال : { من يضلل الله فلا هادي له } ويطلق ويراد به بيان الحق والدلالة عليه قال تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } وقال : { ولكل قوم هاد } وقال : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } .
وأصل التقوى التوقي مما يكره لأن أصلها ( وقوى ) من الوقاية قال الشاعر : .
فألقت قناعا دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين كف معصم .
وسأل عمر ( أبي بن كعب ) عن التقوى فقال له : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال : بلى قال : فما عملت ؟ قال : شمرت واجتهدت قال : فذلك التقوى وأخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال : .
خل الذنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التقى .
واصنع كماش فوق أر ... ض ( أرض ) الشوك يحذر ما يرى .
لا تحقرن صغيرة ... إن الجبال من الحصى .
وفي سنن ابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : " ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا من زوجة صالحة إن نظر إليها سرته وإن أمرها أطاعته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله " ( رواه ابن ماجة عن أبي أمامة Bه )