121 - وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم .
- 122 - إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
- 123 - ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون .
المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور وعن الحسن البصري : المراد بذلك يوم الأحزاب . وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة قال قتادة : لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال وقال عكرمة : يوم السبت للنصف من شوال فالله أعلم وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان قال أبناء من قتل ورؤساء من بقي لأبي سفيان : ارصد هذه الأموال لقتال محمد فأنفقوها في ذلك فجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في نحو ثلاثة آلاف حتى نزلوا قريبا من أحد تلقاء المدينة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الجمعة فلما فرغ منها استشار الناس : " أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة " ؟ فأشار ( عبد الله بن أبي ) بالمقام بالمدينة فإن أقاموا بشر محبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبينان بالحجارة من فوقهم وإن رجعوا رجعوا خائبين وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروح إليهم . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلب لامته وخرج عليهم وقد ندم بعضهم وقالوا : لعلنا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا : يا رسول الله إن شئت أن نمكث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يرجع حتى يحكم الله له " فسار صلى الله عليه وسلّم في ألف من أصحابه فلما كانوا بالشوط رجع ( عبد الله بن أبي ) بثلث الجيش مغضبا لكونه لم يرجع إلى قوله وقال هو وأصحابه : لو نعلم اليوم قتالا لاتبعناكم ولكنا لا نراكم تقاتلون واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي وجعل ظهره وعسكره إلىأحد وقال : " لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال " .
وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه وأمر على الرماة ( عبد الله بن جبير ) أخا بني عمرو ابن عوف والرماة يومئذ خمسون رجلا فقال لهم : " انضحوا الخيل عنا ولا نؤتين من قبلكم والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم " وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين درعين وأعطى اللواء ( مصعب بن عمير ) أخا بني عبد الدار وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعض الغلمان يومئذ وأخر آخرين حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين وتهيأ قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائة فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل ( خالد بن الوليد ) وعلى الميسرة ( عكرمة بن أبي جهل ) ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى . ولهذا قال تعالى : { وإذا غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال } أي تنزلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم { والله سميع عليم } أي سميع لما تقولون عليم بضمائركم .
وقوله تعالى : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } الآية قال البخاري قال عمر : سمعت جابر بن عبد الله يقول : فينا نزلت : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } الآية قال : نحن الطائفتان ( بنو حارثة ) و ( بنو سلمة ) وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى : { والله وليهما } .
وقوله تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر } أي يوم بدر وكان يوم الجمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ودمغ فيه الشرك وخرب محله وحزبه هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ فإنهم كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فارسان وسبعون بعيرا والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد . فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيض وجه النبي وقبيله وأخزى الشيطان وجيله ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين { ولقد نصركم الله ببدر وأنم أذلة } أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى : { ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا } وقال الإمام أحمد عن سماك قال : سمعت عياضا الأشعري قال : شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء . وقال عمر : إذا كان قتالا فعليكم أبو عبيدة قال : فكتبنا إليه أنه قد جأش إلينا الموت واستمددناه فكتب إلينا إنه قد جائني كتابكم تستمدونني وإني أدلكم على من هو أعز نصرا وأحصن جندا الله D فاستنصروه فإن محمدا صلى الله عليه وسلّم قد نصر في يوم بدر في أقل من عدتكم فإذا جاءكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني . قال : فقاتلناهم فهزمناهم أربع فراسخ قال : وأصبنا أموالا فتشاورنا . فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة . و ( بدر ) محلة بين مكة والمدينة تعرف ببئرها منسوبة إلى رجل حفرها يقال له ( بدر بن النارين ) قال الشعبي : بدر بئر لرجل يسمى بدرا وقوله : { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } أي تقومون بطاعته