37 - الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا .
- 38 - والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا .
- 39 - وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما .
يقول تعالى ذاما الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم من الأرقاء ولا يدفعون حق الله فيها ويأمرون الناس بالبخل أيضا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا " .
وقوله تعالى : { ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } فالبخيل جحود لنعمة الله ولا تظهر عليه ولا تبين لا في مأكله ولا في ملبسه ولا في إعطائه وبذله كما قال تعالى : .
{ إن الإنسان لربه لكنود ... وإنه على ذلك لشهيد } أي بحاله وشمائله { وإنه لحب الخير لشديد } وقال ههنا : { ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } ولهذا توعدهم بقوله : { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } والكفر هو الستر والتغطية فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها فهو كافر لنعمة الله عليه وفي الحديث : إن الله إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن يظهر أثرها عليه " وفي الدعاء النبوي : " واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها - وأتممها علينا " وقد حمل بعض السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلّم وكتمانهم ذلك ولهذا قال تعالى : { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } ولا شكر أن الآية محتملة لذلك والظاهر أن السياق في البخل بالمال وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء كذلك الآية التي بعدها وهي قوله : { الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } فإنه ذكر الممسكين المذمومني وهم البخلاء ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يمدحوا بالكرم ولا يريدون بذلك وجه الله . وفي حديث : " الثلاة الذين هم أول من تسجر بهم النار وهم : ( العالم والغازي والمنفق والمراؤون بأعمالهم ) يقول صاحب المال ما تركت من شي تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك فيقول الله : كذبت إنما أردت أن يقال جواد فقد قيل : أي أخذت جزاءك في الدنيا وهو الذي اردت بفعلك وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لعدي بن حاتم : " إن أباك أرد أمرا فبلغه " وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عن ( عبد الله بن جدعان ) هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه ؟ فقال : " لا إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " ولهذا قال تعالى : { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية . أي إنما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها الشيطان فإنه سول لهم وأملى لهم وقارنهم فحسن لهم القبائح ولهذا قال تعالى : { ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا } ولهذا قال الشاعر : .
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي .
ثم قال تعالى : { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله } الآية أي واي شيء يضرهم لو آمنوا بالله وسلكوا الطريق الحميدة وعدلوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله رجاء موعوده في الدار الآخرة لمن يحسن عمله وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها ؟ وقوله : { وكان الله بهم عليما } أي وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه ويلهمه رشده ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه وبمن يستحق الخذلان والطرد عن جنابه الأعظم الإلهي الذي من طرد عن بابه فقد خاب وخسر في الدنيا والآخرة عياذا بالله من ذلك