100 - قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون .
- 101 - يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم .
- 102 - قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين .
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلّم : { قل } يا محمد { لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك } أي يا أيها الإنسان { كثرة الخبيث } ( أخرج الواحدي : أن النبي صلى الله عليه وسلّم ذكر تحريم الخمر فقال أعرابي : إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي فاعتقت منها مالا فهل ينفع ذلك المال إن عملت بطاعة الله فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " إن الله لا يقبل إلا الطيب " فأنزل الله : { قل لا يستوي } الآية كما في " اللباب " . يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار كما جاء في الحديث : " ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " . وقال أبو القاسم البغوي عن أبي أمامة : إن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال النبي صلى الله عليهو سلم : " قليل تؤدي شكره خير من كثير لاتطيقه " { فاتقوا الله يا أولي الألباب } أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به { لعلكم تفلحون } أي في الدنيا والآخرة . ثم قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين ونهي لهم عن أن يسالوه عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " وقال البخاري عن أنس بن مالك قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطبة ما سمعت مثلها قط وقال فيها : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " . قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجوههم لهم حنين فقال رجل : من أبي ؟ قال : " فلان " فنزلت هذه الآية : { لا تسألوا عن أشياء } وعن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال : أين أبي ؟ قال : " في النار " فقام آخر فقال : من أبي ؟ فقال : " أبوك حذافة " فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلّم نبيا وبالقرآن إماما إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا . قال : فسكن غضبه ونزلت هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } الآية إسناده جيد وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف منهم السدي . قال البخاري عن ابن عباس Bهما قال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلّم استهزاء فيقول الرجل : من أبي ؟ ويقول الرجل تضل ناقته : أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } حتى فرغ من الآية كلها . وظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته فالاولى الإعراض عنها وتركها وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " الحديث .
وقوله تعالى : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } أي وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم تبين لكم وذلك على الله يسير ثم قال : { عفا الله عنها } أي عما كان منكم قبل ذلك { والله غفور حليم } وقيل المراد بقوله : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } أي لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق وقد ورد في الحديث : " أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته " ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها بينت لكم حينئذ لاحتياجكم إليها { عفا الله عنها } أي ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها . وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : " ذروني وما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " وفي الحديث الصحيح أيضا : " إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها " ثم قال تعالى : { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } أي قد سأل هذه المسائل المنهى عنها قوم من قبلكم فأجيبوا عنها ثم لم يؤمنوا بها فأصبحوا بها كافرين أي بسببها أي بينت لهم فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد . وقال العوفي عن ابن عباس في الآية : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أذن في الناس فقال : " يا قوم كتب عليكم الحج " فقام رجل من بني أسد فقال : يا رسول الله أفي كل عام ؟ فأغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم غضبا شديدا فقال : " والذي نفسي بيده لو قلت : نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم وإذا لكفرتم فاتركوني ما تركتكم وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه " فأنزل الله هذه الآية نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت عنه النصارى من المائدة فأصبحوا بها كافرين فنهى الله عن ذلك وقال : لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم بيانه . ثم قال : { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } روي عن عكرمة C : أن المراد بهذا النهي عن سؤال وقوع الآيات كما سألت قريش أن يجري لهم أنهارا وأن يجعل لهم الصفا ذهبا وغير ذلك وكما سألت اليهود أن ينزل عليهم كتابا من السماء وقد قال الله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } الآية . وقال تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون }