55 - وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين .
- 56 - قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين .
- 57 - قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين .
- 58 - قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين .
- 59 - وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين .
يقول تعالى : { وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد { كذلك نفصل الآيات } أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها { ولتستبين سبيل المجرمين } أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل وقوله : { قل إني على بينة من ربي } أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إلي { وكذبتم به } أي بالحق الذي جاءني من الله { ما عندي ما تستعجلون به } أي من العذاب { إن الحكم إلا لله } أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك وإن شاء أنظركم وأجلكم لما له في ذلك من الحكمة العظيمة ولهذا قال : { يقص الحق وهو خير الفاصلين } أي وهو خير من فصل القضايا وخير الفاصلين في الحكم بين عباده وقوله : { قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم } أي لو كان مرجع ذلك إلي لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك والله أعلم بالظالمين . فإن قيل : فما الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال : " لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ( ابن عبد ياليل بن عبد كلال ) فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال : فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا . فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستأنا بهم وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئا فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين } ؟ فالجواب - والله أعلم - أن هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه بهم . وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوبا وشمالا فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم .
وقوله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } قال البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم قرأ : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير } وفي حديث عمر أن جبريل حين تبدي له في صورة أعرابي فسال عن الإيمان الإسلام الإحسان . فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم فيما قال له : " خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم قرأ : { إن الله عنده علم الساعة } الآية . وقوله : { ويعلم ما في البر والبحر } أي يحيط علمه الكريم بجميع الموجودات بريها وبحريها لا يخفى عليه من ذلك شيء ولا مثقال ذرة في الارض ولا في السماء وما أحسن ما قاله الصرصري : .
فلا يخفى عليه الذر إما ... تراءى للنواظر أو توارى .
وقوله تعالى : { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } أي ويعلم الحركات حتى من الجمادات فما ظنك بالحيوانات لا سيما بالمكلفون منهم من جنهم وإنسهم كما قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } قال : ما من شجرة في بر ولا بحر إلا وملك موكل بها يكتب ما يسقط منها وقوله : { ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } قال عبد الله بن الحارث : ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبراة إلا وعليها ملك موكل يأتي الله بعلمها رطوبتها إذا رطبت ويبوستها إذا يبست