91 - وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون .
- 92 - وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون .
يقول الله تعالى : وما عظموا الله حق تعظيمه إذ كذبوا رسله إليهم . قال ابن عباس ومجاهد : نزلت في قريش واختاره ابن جرير وقيل : نزلت في طائفة من اليهود . وقيل : في فنحاص رجل منهم . وقيل : في مالك بن الصيف ( في اللباب : أخرج ابن أبي حاتم : خاصم مالك بن الصيف اليهودي النبي صلى الله عليه وسلّم فقال له النبي : " أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين ؟ وكان حبرا سمينا فغضب وقال : ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله : { وما قدروا الله } الآية ) . { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } والأول أصح لأن الآية مكية واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء وقريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون إرسال محمد صلى الله عليه وسلّم لأنه من البشر كما قال : { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس } وكقوله تعالى : { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا } وقال ها هنا : { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } قال الله تعالى : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } أي قل يا محمد لهؤلاء المنكرين لإنزال شيء من الكتب من عند الله في جواب سلبهم العام بإثبات قضية جزئية موجبة { من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } وهو التوراة التي قد علمتم وكل أحد أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران { نورا وهدى للناس } أي ليستضاء بها في كشف المشكلات ويهتدى بها من ظلم الشبهات وقوله : { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } أي تجعلون جملتها قراطيس أي قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديكم وتحرفون منها ما تحرفون وتبدلون وتتأولون وتقولون : هذا من عند الله أي في كتابه المنزل وما هو من عند الله ولهذا قال : { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } . وقوله تعالى : { وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } أي ومن أنزل القرآن الذي علمكم الله فيه من خبر ما سبق ونبأ ما يأتي ما لم تكونوا تعلمون ذلك لا أنتم ولا آباؤكم وقد قال قتادة : هؤلاء مشركو العرب وقال مجاهد : هذه للمسلمين .
وقوله تعالى : { قل الله } قال ابن عباس : أي قل الله أنزله وهذا الذي قاله ابن عباس هو المتعين في تفسير هذه الكلمة لا ما قاله بعض المتأخرين من أن معنى { قل الله } أي لا يكون خطابك لهم إلا هذه الكلمة كلمة " الله " وهذا الذي قاله هذا القائل يكون أمرا بكلمة مفردة من غير تركيب والإتيان بكلمة مفردة لا يفيد في لغة العرب فائدة يحسن السكوت عليها . وقوله : { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } أي ثم دعهم في جهلهم وضلالهم يلعبون حتى يأتيهم من الله اليقين فسوف يعلمون ألهم العاقبة أم لعباد الله المتقين ؟ وقوله : { وهذا كتاب } يعني القرآن { أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى } يعني مكة { ومن حولها } من أحياء العرب ومن سائر طوائف بني آدم من عرب وعجم كما قال في الآية الأخرى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } وقال : { لأنذركم به ومن بلغ } وقال : { ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده } وقال : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا } وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي " وذكر منهن : " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " ولهذا قال : { والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به } أي كل من آمن بالله واليوم الآخر يؤمن بهذا الكتاب المبارك الذي أنزلناه إليك يا محمد وهو القرآن { وهم على صلاتهم يحافظون } أي يقيمون بما فرض عليهم من أداء الصلوات في أوقاتها