54 - إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين .
يخبر تعالى أنه خالق العالم سماواته وأرضه وما بين ذلك في ستة أيام كما أخبر بذلك في غير ما أية من القرآن واختلفوا في هذه الأيام هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو المتبادر إلى الأذهان ؟ أو كل يوم كألف سنة كما نص على ذلك مجاهد والإمام أحمد بن حنبل ؟ فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق لأنه اليوم السابع ومنه سمي السبت وهو القطع . وأما قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها .
وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه و { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } بل الأمر كما قال ( نعيم بن حماد الخزاعي ) شيخ البخاري قال : من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى . وقوله تعالى : { يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا } أي يذهب ظلام هذا بضياء هذا وضياء هذا بظلام هذا وكل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا أي سريعا لا يتأخر عنه .
بل إذا ذهب هذا جاء هذا وعكسه كقوله : { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } إلى قوله : { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون } فقوله : { ولا الليل سابق النهار } أي لا يفوته بوقت يتأخر عنه بل هو في أثره بلا واسطة بينهما ولهذا قال : { يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره } أي الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ولهذا قال منبها : { ألا له الخلق والأمر } أي له الملك والتصرف { تبارك الله رب العالمين } كقوله : { تبارك الذي جعل في السماء بروجا } الآية وفي الحديث : " من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه " لقوله : { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } ( رواه ابن جرير ) وفي الدعاء المأثور عن أبي الدرداء وروي مرفوعا : " اللهم لك الملك كله ولك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله أسألك من الخير كله وأعوذ بك من الشر كله "