59 - لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم .
- 60 - قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين .
- 61 - قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين .
- 62 - أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون .
لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بذلك وما يتصل به وفرغ منه شرع تعالى في ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام : الأول فالأول فابتدأ بذكر نوح عليه السلام فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام . قال محمد بن إسحاق : ولم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح إلا نبي قتل وقال يزيد الرقاشي : إنما سمي نوحا لكثرة ما ناح على نفسه وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام . قال ابن عباس وغير واحد من علماء التفسير : وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين ( ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ) فلما تفاقم الأمر بعث الله سبحانه وتعالى - وله الحمد والمنة - رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له فقال : { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } أي من عذاب يوم القيامة إذا لقيتم الله وأنتم مشركون به { قال الملأ من قومه } أي الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم : { إنا لنراك في ضلال مبين } أي في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة كقوله : { وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون } { وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } إلى غير ذلك من الآيات { قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين } أي ما أنا ضال ولكن أنا رسول من رب كل شيء ومليكه .
{ أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون } .
وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا عالما بالله لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لأصحابه يوم عرفة : " أيها الناس إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون ؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها عليهم ويقول : " اللهم اشهد اللهم اشهد "