94 - وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون .
- 95 - ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون .
يقول تعالى مخبرا عما اختبر به الأمم الماضية الذين أرسل إليهم الأنبياء بالبأساء والضراء . يعني { بالبأساء } ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام { والضراء } ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك { لعلهم يضرعون } أي يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم وتقدير الكلام : أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا فما فعلوا شيئا من الذي أراد منهم فقلب عليهم الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيهن ولهذا قال : { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } أي حولنا الحال من شدة إلى رخاء ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية ومن فقر إلى غنى ليشكروا على ذلك فما فعلوا وقوله : { حتى عفوا } أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم يقال : عفا الشيء إذا كثر . { وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون } . يقول تعالى : ابتليناهم بهذا وهذا ليتضرعوا وينيبوا إلى الله فما نجع فيهم لا هذا ولا هذا ولا انتهوا بهذا ولا بهذا وقالوا : قد مسنا من البأساء والضراء ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الزمان والدهر وإنما هو الدهر تارات وتارات بل لم يتفطنوا لأمر الله فيهم ولا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء ويصبرون على الضراء كما ثبت في الصحيحين : " عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له " فالمؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء ولهذا جاء في الحديث : " لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقيا من ذنوبه ( وفي رواية الترمذي : " حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ) والمنافق كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله ولا فيما أرسوله " أو كما قال ولهذا عقب هذه الصفة بقوله { فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون } أي أخذناهم بالعقوبة بغتة أي على بغتة وعدم شعور منهم أي أخذناهم فجأة كما في الحديث : " موت الفجأة رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر "