9 - إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين .
- 10 - وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم .
لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيف ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلّم القبلة وعليه رداؤه وإزاره ثم قال : " اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا " قال : فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله D : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } فلما كان يومئذ التقوا فهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا بكر وعمر وعليا فقال أبو يكر : يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوى لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما ترى يا ابن الخطاب ؟ " قلت : والله ما أرى ما رأى أبو بكر .
ولكني أرى أن تمكني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان - أخيه - فيضرب عنقه حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر : فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر وهما يبكيان فقلت : يا رسول الله ما يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما قال النبي صلى الله عليه وسلّم : " للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة " الشجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلّم وأنزل الله D : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض - إلى قوله - فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل لهم الغنائم فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم عن النبي صلى الله عليه وسلّم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله : { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير } بأخذكم الفداء ( رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب Bه وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير ) .
قال البخاري في كتاب المغازي باب قول الله تعالى : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم } الآية عن طارق بن شهاب قال سمعت ابن مسعود يقول : شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به أتى النبي صلى الله عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين فقال : لا نقول كما قال قوم موسى { اذهب أنت وربك فقاتلا } ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلّم أشرق وجهه وسره يعني قوله وعن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر : " اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد " فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك فخرج وهو يقول : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " . وقوله تعالى : { بألف من الملائكة مردفين } أي يردف بعضهم بعضا كما قال ابن عباس { مردفين } : متتابعين ويحتمل أن المراد { مردفين } لكم أي نجدة لكم كما قال العوفي عن ابن عباس { مردفين } يقول : المدد كما تقول أنت للرجل زده كذا وكذا ( وبه قال مجاهد وابن كثير القارئ وابن زيد ) . وفي رواية { مردفين } قال : بعضهم على أثر بعض وقال ابن جرير : نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلّم وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي A وهذا يقتضي - إن صح إسناده - أن الألف مردفة بمثلها ولهذا قرأ بعضهم : { مردفين } بفتح الدال والله أعلم .
والمشهور ما روي عن ابن عباس قال : وأمد الله نبيه A والمؤمنين بألف من الملائكة فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة وروي عن ابن عباس قال : بينا رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم إذا نظر إلى المشرك فخر مستلقيا قال : فنظر إليه فإذا هو قد حطم وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله A فقال : صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين ( أخرجه مسلم وابن جرير ) .
وفي البخاري قال : جاء جبريل إلى النبي A فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : " من أفضل المسلمين " أو كلمة نحوها قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة وفي .
الصحيحين أن رسول الله A قال لعمر لما شاوره في قتل ( حاطب بن أبي بلتعة ) " إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ؟ " وقوله تعالى : { وما جعله الله إلا بشرى } الآية أي وما جعل الله بعث الملائكة إلا بشرى { ولتطمئن به قلوبكم } وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم { وما النصر إلا من عند الله } أي بدون ذلك ولهذا قال : { ما النصر إلا من عند الله } كما قال تعالى : { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض } وقال تعالى : { وتلك الأيام نداولها بين الناس } فهذه حكم شرع الله جهاد الكفار بأيدي المؤمنين لأجلها وقد كان تعالى إنما يعاقب الأمم السالفة المكذبة للأنبياء بالقوارع التي تعم تلك الأمم المكذبة كما أهلك قوم نوح بالطوفان وعادا الأولى بالدبور وثمود بالصيحة وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجيل وقوم شعيب بيوم الظلة فلما بعث الله موسى وأهلك عدوه وأنزل على موسى التوراة شرع فيها قتال الكفار واستمر الحكم في بقية الشرائع بعده على ذلك كما قال تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر } وقتل المؤمنين للكافرين أشد إهانة للكافرين واشفى لصدور المؤمنين كما قال تعالى للمؤمنين : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين } ولهذا كان قتل صناديد قريش بأيدي أعدائهم أنكى لهم وأشفى لصدور حزب الإيمان وقتل أبي جهل في معركة القتال أشد إهانة له من موته على فراشه بقارعة أو صاعقة أو نحو ذلك ولهذا قال تعالى : { إن الله عزيز } أي له العزة ولرسوله وللمؤمنين بهما في الدنيا والآخرة { حكيم } فيما شرعه من قتلا الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى