58 - وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين .
- 59 - فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون .
يقول تعالى لائما لهم على نكولهم عن الجهاد ودخولهم الأرض المقدسة لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل وقتال من فيها من العماليق الكفرة فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا فرماهم الله في التيه عقوبة لهم كما ذكره تعالى في سورة المائدة ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي ( بيت المقدس ) كما نص على ذلك غير واحد وقد قال الله تعالى حاكيا عن موسى : { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا } الآيات . وقال آخرون : هي ( أريحا ) وهذا بعيد لأنها ليست على طريقهم وهم قاصدون بيت المقدس لأريحا وأبعد من ذلك قول من ذهب إلى أنها مصر حكاه الرازي في تفسيره والصحيح الأول أنها بيت المقدس وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب - باب البلد - ( سجدا ) أي شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ورد بلدهم عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال . قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس : { وادخلوا الباب سجدا } أي ركعا وقال الحسن البصري : أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم واستبعده الرازي وحكي عن بعضهم أن المراد ههنا بالسجود الخضوع لتعذر حمله على حقيقته وقال السدي : عن عبد الله بن مسعود : قيل لهم ادخلوا الباب سجدا فدخلوا مقنعي رؤوسهم أي رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا .
وقوله تعالى : { وقولو حطة } قال ابن عباس : مغفرة استغفروا وقال الضحاك عن ابن عباس { وقولوا حطة } قال : قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم وقال الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا { نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين } وقال : هذا جواب الأمر أي إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضاعفنا لكم الحسنات . وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها ولهذا كان E يظهر عليه الخضوع جدا عند النصر كما روي أنه كان يوم الفتح ( فتح مكة ) داخلا إليها من الثنية العليا وإنه لخاضع لربه حتى أن عثنونه ليمس مورك رحله شكرا لله على ذلك .
وقوله تعالى : { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } روي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلّم : " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالوا حبة في شعرة ( رواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعا ) " وقال الثوري عن ابن عباس في قوله تعالى : { ادخلوا الباب سجدا } قال : ركعا من باب صغير فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة فذلك قوله تعالى : { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } .
وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل فأمروا أن يدخلوا سجدا فدخلوا يزحفون على أستاههم رافعي رؤوسهم وأمروا أن يقولوا حطة أي أحطط عنا ذنوبنا وخطايانا فاستهزأوا فقالوا حنطة في شعيرة وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته ولهذا قال : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } .
وقال الضحاك عن ابن عباس : كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب وقال أبو العالية : الرجز الغضب وقال سعيد بن جبير : هو الطاعون لحديث : " الطاعون رجز عذاب عذب به من كان قبلكم ( الحديث رواه النسائي وأصله في الصحيحين ) "