59 - ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون .
- 60 - وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون .
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم : { ولا تحسبن } يا محمد { الذين كفروا سبقوا } أي فاتونا فلا نقدر عليهم بل هم تحت قهر قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا فلا يعجزوننا كقوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون } أي يظنون وقوله تعالى : { لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير } وقوله تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } . ثم أمر تعالى بإعداد ألات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة فقال : { وأعدوا لهم ما استطعتم } أي مهما أمكنكم { من قوة ومن رباط الخيل } . عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي " ( أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه وأبو داود ) . وروى الإمام أحمد وأهل السنن عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ارموا واركبوا وأن ترموا خير من أن تركبوا " . وعن أبي هريرة Bه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " الخيل لثلاثة : لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر . فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات .
ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأورائها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى به كان ذلك حسنات له فهي لذلك الرجل أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها فهي له ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء فهي على ذلك وزر " . وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الحمر ؟ فقال " : .
ما أنزل الله علي فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم ومالك } . وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل وذهب الإمام مالك إلى أن الركوب أفضل من الرمي وقوله الجمهور أقوى للحديث والله أعلم .
وفي الحديث : " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها ومن ربط فرسا في سبيل الله كانت النفقة عليه كالماد يده بالصدقة لا يقبضها " ( أخرجه الطبراني عن سهل بن الحنظلية ) . وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم " .
وقوله : { ترهبون } أي تخوفون { به عدو الله وعدوكم } أي من الكفار { وآخرين من دونهم } قال مجاهد : يعني بني قريظة وقال السدي : فارس وقال سفيان الثوري : هم الشياطين التي في الدور وقال مقاتل : هم المنافقون وهذا أشبه الأقوال ويشهد له قوله تعالى : { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } وقوله : { وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } أي مهما أنفقتم في الجهاد فإنه يوف إليكم على التمام والكمال ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود أن الدرهم يضاعف ثوابه في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف كما تقدم في قوله تعالى : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبه أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم }