28 - يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم .
- 29 - قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينا وذاتا بنفي المشركين الذين هم نجس عن المسجد الحرام وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية وكان نزولها في سنة تسعن ولهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليا صحبة أبي بكر وأمره أن ينادي في المشركين ألا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فأتم الله ذلك وحكم به شرعا وقدرا وكتب عمر بن عبد العزيز Bه أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين قال الله تعالى : { إنما المشركون نجس } وقال عطاء : الحرم كله مسجد لقوله تعالى : { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ودلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما ورد في الصحيح : " المؤمن لا ينجس " وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات لأن الله تعالى أحل .
طعام أهل الكتاب وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم وقال أشعث عن الحسن من صافحهم فليتوضأ . وقوله : { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله } قال محمد بن إسحاق : قال الناس : لتقطعن عنا الأسواق ولتهلكن التجارة وليذهبن عنا ما كنا نصيب فيها من المرافق فأنزل الله : { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله } ( في اللباب : أخرج أبي حاتم : كان المشركون يجيئون إلى البيت بالطعام يتجرون فيه فلما نهوا عن إتيان البيت قال المسلمون : أين لنا الطعام ؟ فأنزل الله : { وإن خفتم . . . } الآية . وأخرج ابن جرير : لما نزلت { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام . . } شق ذلك على المسلمين وقالوا : من يأتينا بالطعام وبالمتاع ؟ فأنزل الله الآية ) من وجه غير ذلك { إن شاء } إلى قوله : { وهم صاغرون } أي هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك الأسواق فعوضهم الله مما قطع أمر الشرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية { إن الله عليم } أي بما يصلحكم { حكيم } أي فيما يأمر وينهى عنه لأنه الكامل في أفعاله وأقواله العادل في خلقه وأمره تبارك وتعالى ولهذا عوضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة وقوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر .
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فهم في نفس الأمر لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلّم لم .
يبق لهم إيمان صحيح بأحد من الرسل ولا بما جاءوا به وإنما يتبعون أراءهم وأهواءهم وأباءهم فيما هم فيه لا لأنه شرع الله ودينه لأنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيمانا صحيحا لقادهم ذلك .
إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلّم لأن جميع الأنبياء بشروا به وأمروا باتباعه فلما جاءوا كفروا به وهو أشرف الرسل على أنهم ليسوا متمسكين بشرع الأنبياء الأقدمين لأنه من عند الله بل لحظوظهم وأهوائهم فلهذا لا ينفعهم إيمانهم ببقية الأنبياء وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم ولهذا قال : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية .
وهذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعدما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا واستقامت جزيرة العرب أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك وأظهره لهم وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم واجتمع من المقاتلة نحو ثلاثين ألفا وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم وكان ذلك في عام جدب ووقت قيظ وحر وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك فنزل بها وأقام بها قريبا من عشرين يوما ثم استخار الله في الرجوع فرجع عامه ذلك لضيق الحال وضعف الناس كما سيأتي بيانه بعد إن شاء الله تعالى . وقوله : { حتى يعطوا الجزية } أي إن لم يسلموا { عن يد } : أي عن قهر لهم وهم غلبة { وهم صاغرون } أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم : " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب Bه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية ( عبد الرحمن بن غنم الأشعري ) قال : كتبت لعمر بن الخطاب Bه حين صالح نصارى من أهل الشام : " بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنسية ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيي منها ما كان خططا للمسلمين وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ولا نؤوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا ولا نكتم غشا للمسلمين ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شركا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعريبة ولا نبيع الخمور وأن نجز مقاديم رؤوسنا وأن نلزم حيثما كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا وأن لا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شيء من طريق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين ولا نحرج شعانين ولا بعوثا ولا نرفع أصواتنا .
مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم قال : فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه : " ولا نضرب أحدا من المسلمين " شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق "