24 - ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين .
اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام فقيل : المراد بهمه بها خطرات حديث النفس حكاه البغوي عن بعض أهل التحقيق ثم أورد البغوي ههنا حديث أبي هريرة Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يقول الله تعالى : إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإنما تركها من جرائي فإن عملها فاكتبوها بمثلها " ( هذا الحديث مخرج في الصحيحين وله ألفاظ كثيرة منها هذا قاله ابن كثير ) وقيل : هم بضربها وقيل : تمناها زوجة وقيل : هم بها لولا أن رأى برهان ربه أي فلم يهم بها ( حكاه ابن جرير وغيره فكأن في الآية تقديما وتأخيرا : أي لولا أن رأى .
برهان ربه لهم بها فلم يقع الهم لوجود البرهان وهو عصمة الله D له . وانظر ما حققناه .
في كتابنا ( النبوة والأنبياء ) صفحة ( 78 ) حول هذا البحث فإنه دقيق ونفيس فقد أوردنا عشرة وجوه على عصمته عليه السلام ) وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضا قيل : رأى صورة أبيه يعقوب عاضا على إصبعه بفمه وقيل : رأى خيال الملك يعني سيده وقال ابن جرير عن محمد ابن كعب القرظي قال : رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت فإذا كتاب في حائط البيت : { لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } وقيل : ثلاث آيات من كتاب الله : { إن عليكم لحافظين } الآية وقوله : { وما تكون في شأن } الآية وقوله : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } قال ابن جرير : والصواب أن يقال : إنه أي آية من آيات الله تزجره عما كان هم به وجائز أن يكون صورة يعقوب وجائز أن يكون صورة الملك وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا من الزجر عن ذلك ولا حجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى وقوله : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء } أي كما أريناه برهانا صرفه عما كان فيه كذلك نفيه السوء والفحشاء في جميع أموره { إنه من عبادنا المخلصين } أي من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار صلوات الله وسلامه عليه