13 - وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين .
- 14 - ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد .
- 15 - واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد .
- 16 - من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد .
- 17 - يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ .
يخبر تعالى عما توعدت به الأمم الكافرة رسلهم من الإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به : { لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا } الآية وكما قال قوم لوط : { أخرجوا آل لوط من قريتكم } الآية ولهذا قال تعالى : { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين . ولنسكننكم الأرض من بعدهم } كما قال الله تعالى : { وإن جندنا لهم الغالبون } وقال تعالى : { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز } وقال تعالى : { وقال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة .
للمتقين } وقال تعالى : { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } وقوله : { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } أي وعيدي هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي كما قال تعالى : { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى } وقال : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } وقوله : { واستفتحوا } أي استنصرت الرسل ربها على قومهم ( قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ) وقال ابن أسلم : استفتحت الأمم على أنفسها كما قالوا : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } ويحتمل أن يكون مرادا وهذا مرادا كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلّم واستنصر وقال الله تعالى للمشركين : { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم } الآية { وخاب كل جبار عنيد } أي متجبر في نفسه عنيد معاند للحق كقوله تعالى : { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب } . وفي الحديث : " إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة فتنادي الخلائق فتقول : إني وكلت بكل جبار عنيد " الحديث وقوله : { من ورائه جهنم } وراء هنا بمعنى أمام كقوله تعالى : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } وكان ابن عباس يقرؤها : وكان أمامهم ملك أي من وراء الجبار العنيد جهنم أي هي له بالمرصاد يسكنها مخلدا يوم المعاد ويعرض عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد { ويسقى من ماء صديد } أي في النار ليس له شراب إلا من حميم وغساق كما قال : { هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج } وقال مجاهد : الصديد من القيح والدم . وقال قتادة : هو ما يسيل من لحمه وجلده وفي رواية عنه : الصديد ما يخرج من جوف الكافر فقد خالط القيح والدم وفي حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت قلت : يا رسول الله ما طينة الخبال ؟ قال : " صديد أهل النار " وفي رواية : " عصارة أهل النار " وقال الإمام أحمد عن أبي أمامة Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم في قوله : { ويسقى من ماء صديد يتجرعه } قال : " يقرب إليه فيتكرهه فإذا أدني منه شوي وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره " يقول تعالى : { وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } ويقول : { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه } الآية ( أخرجه الإمام أحمد وابن جرير ) .
وقوله تعالى : { يتجرعه } أي يتغصصه ويتكرهه أي يشربه قهرا وقسرا لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد كما قال تعالى : { ولهم مقامع من حديد } { ولا يكاد يسيغه } أي يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذي لا يستطاع { ويأتيه الموت من كل مكان } أي يألم له جميع بدنه من كل عظم وعصب وعرق وقال عكرمة : حتى من أطراف شعره وقال ابن عباس : { ويأتيه الموت من كل مكان } قال : أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت ولكن لا يموت لأن الله تعالى قال : { لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها } ومعنى كلام ابن عباس Bه أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه .
لو كان يموت ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال ولهذا قال تعالى : { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } وقوله : { ومن ورائه عذاب غليظ } أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم : { فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ... ثم إن عليها لشوبا من حميم ... ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل الزقوم وتارة في شرب حميم وتارة يردون إلى جحيم عياذا بالله من ذلك وهكذا قال تعالى : { إن شجرة الزقزم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم } وقال تعالى : { هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تنوع العذاب عليهم وتكراره وأنواعه وأشكاله مما لا يحصيه إلا الله D جزاء وفاقا { وما ربك بظلام للعبيد }