بسم الله الرحمن الرحيم .
- 1 - سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير .
يمجد تعالى نفسه ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه فلا إله غيره ولا رب سواه { الذي أسرى بعبده } يعني محمدا صلى الله عليه وسلّم { ليلا } : أي في جنح الليل { من المسجد الحرام } : وهو مسجد مكة { إلى المسجد الأقصى } ( قال الحافظ السهيلي : قوله D { إلى المسجد الأقصى } : يعني بيت المقدس وهو إيليا ومعنى إيليا - بيت الله - { وباركنا حوله } - يعني الشام - والشام بالسريانية : الطيب فسميت بذلك لطيبها وخصبها وبيت المقدس بناه سليمان عليه السلام وكان داود عليه السلام قد ابتدأ مبناه فأكمله ابنه سليمان عليه السلام واسمه : إيلياء وتفسيره بالعربية : بيت الله ذكره البكري وقال الطبري : كان داود عليه السلام قد هم ببنيانه فأوحى الله تعالى إليه " إنما يبنيه ابن لك طاهر اليد من الدماء " وفي الصحيح أنه وضع للناس بعد البيت الحرام بأربعين سنة وهذا يدل على أنه قد كان بني أيضا في إسحاق ويعقوب عليهما السلام ولكن بنيانه على التمام وكمال الهيئة كان على عهد سليمان عليه السلام ) وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام ولهذا جمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم فدل على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . وقوله تعالى { الذي باركنا حوله } : أي في الزروع والثمار { لنريه } : أي محمدا { من آياتنا } : أي العظام كما قال تعالى : { ولقد رأى من آيات ربه الكبرى } { إنه هو السميع البصير } أي السميع لأقوال عباده البصير بهم فيعطي كلا منهم ما يستحقه في الدنيا والآخرة .
ذكر الأحاديث الواردة في الإسراء .
قال الإمام البخاري عن أنس بن مالك يقول : ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم فقال آخرهم : خذوا خيرهم فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشو إيمانا وحمكة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء من هذا ؟ فقال : جبريل قالوا : ومن معك ؟ قال معي محمد قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم قالوا : فمرحبا به وأهلا يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم فوجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلم عليه ورد عليه آدم فقال : مرحبا وأهلا بابني نعم الابن أنت فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال : ما هذان النهران يا جبريل ؟ " قال : هذان النيل والفرات عنصرهما ثم مضى به في السماء .
فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الملائكة الأولى من هذا ؟ قال جبريل قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلّم قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم قالوا : مرحبا به وأهلا . ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية . ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السماء السادسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله تعالى فقال موسى : رب لم أظن أن ترفع علي أحدا .
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله D حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله إليه فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتسبه موسى فقال : يا محمد ماذا عهد إليك ربك ؟ قال : " عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة " . قال إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلّم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت فعلا به إلى الجبار تعالى وتقدس فقال وهو في مكانه : " يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا " فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلّم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل فرفعه عند الخامسة فقال : " يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم فخفف عنه فقال الجبار تبارك وتعالى : يا محمد قال : " لبيك وسعديك " قال : إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت ؟ فقال : " خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها " قال موسى : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يا موسى قد والله استحييت من ربي D مما اختلف إليه " . قال فاهبط باسم الله . قال واستيقظ وهو في المسجد الحرام هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد .
وقد قال الحافظ البيهقي : في حديث شريك زيادة تفرد بها على مذهب من زعم أنه صلى الله .
عليه وسلم رأى الله D يعني قوله : ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى . قال : وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح . وهذا الذي قاله البيهقي C في هذه المسألة هو الحق فإن أبا ذر قال : يا رسول .
الله هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أنى أراه " . وفي رواية : " رأيت نورا " : أخرجه مسلم وقوله : { ثم دنا فتدلى } إنما هو جبريل عليه السلام كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين وعن ابن مسعود وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا .
وقال الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل : أصبت الفطرة قال : ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل له من أنت قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد ارسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد فقيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير ثم يقول تعالى : { ورفعناه مكانا عليا } ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد فقيل : قد أرسل إليه ؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد فقيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد فقيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام وإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه .
ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها قال : فأوحى الله إلي ما أوحى وقد فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت : أي رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال : ما فعلت فقلت : قد حط عني خمسا فقال : إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فلم أزل أرجع إلى ربي وبين موسى ويحط عني خمسا خمسا حتى قال : يا محمد هن خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب فإن عملها كتبت له سيئة واحدة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت " .
عن أنس بن مالك قال : لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالبراق فكأنها حركت ذنبها فقال لها جبريل : مه يا براق الله فوالله ما ركبك مثله وسار رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق فقال : " ما هذه يا جبريل ؟ " قال : سر يا محمد . قال فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق فقال : هلم يا محمد فقال له جبريل : سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير قال فلقيه خلق من خلق الله فقالوا : السلام عليك يا أول السلام عليك يا آخر السلام عليك يا حاشر فقال له جبريل : اردد السلام يا محمد فرد السلام ثم لقيه الثانية فقال له مثل مقالته الأولى ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الخمر والماء واللبن فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلّم اللبن فقال له جبريل : أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ولو شربت الخمر لغويت ولغويت أمتك ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء عليهم السلام فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم تلك الليلة . ثم قال له جبريل : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا كما بقي من عمر تلك العجوز وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ( أخرجه ابن جرير ورواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة وفي بعض ألفاظه غرابة ) .
( يتبع . . . )